تهدف رؤية المملكة 2030 إلى تنويع مصادر الدخل الوطني والتحول التدريجي من الاعتماد على إيرادات البترول الذي تتذبذب أسعاره في سوق الطاقة الدولية بدرجة شديدة تؤثر في وتيرة التنمية الاقتصادية في المملكة. وسيكون للقطاع الخاص دور أكبر مما هو عليه الآن في استراتيجية التنويع الاقتصادي، ما يعني زيادة الكفاءة الإنتاجية للأفراد والشركات المساهمة والخاصة، ناهيك عن المؤسسات الحكومية الخدمية والتنظيمية والرقابية لأن ذلك أساسي في التحول والنمو والمنافسة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
يشهد العالم منافسة شديدة أتاحتها العولمة الاقتصادية وما يرتبط بها من سياسات توسعية تتبعها الدول الصناعية وشركاتها العابرة للقارات، أو ما يعرف اليوم بالشركات المتعددة الجنسيات “الأوطان”، وذلك للتوغل في الأسواق العالمية الواعدة. وتعتمد هذه الشركات في منافستها على مقومات تنافسية عديدة ترتكز في مجملها على كفاءتها الإنتاجية التي تكسبها القوة والثبات أمام المنافسة في الأسواق العالمية، لذا رأيت أهمية توضيحها في ظل رؤية 2030.
من الأهمية معرفة الفرق بين الكفاءة الإنتاجية والفاعلية الإنتاجية. ويمكن فهم المصطلحين من خلال هذا المثال. تحتاج إلى ثوب يتناسب مع ذوقك ومقاسك، وتحرص على أن يكون من الأقمشة عالية الجودة، لذا اشتريت أربعة أمتار حسب تقدير الخياط، لكنك لم تشعر بالرضا لأن الخياطة لم تكن عالية الجودة. ذهبت إلى خياط آخر واشتريت ثلاثة أمتار من القماش حسب تقديره، حيث كانت الخياطة عالية الجودة. الخياط الأخير كان عالي الكفاءة الإنتاجية بعكس الخياط الاول بالرغم انهما انجزا ثوبين. إذاً إنجاز الثوبين هي الفاعلية الإنتاجية، وتحقيق الهدف. أما الكفاءة الإنتاجية فإنها تعني استغلال الخياط لأقل كمية من القماش لإنجاز ثوب عالي الجودة، بحيث يستغل كل سنتيمتر للحصول على ثوب يناسب مقاس الزبون من غير هدر للقماش، لكننا رأينا الخياط الأول بكفاءة إنتاجية منخفضة لأنه هدر متراً ليخيط الثوب بجودة متدنية، بينما الخياط الثاني استغل كمية أقل من الأمتار لينجز الثوب بكفاءة عالية. إذاً الكفاءة الإنتاجية تعني تعظيم الفائدة بأقل ما يمكن من الموارد الداخلة في الإنتاج بأكثر قيمة مضافة وكمية وجودة عالية من المخرجات.
وتعد الكفاءة الإنتاجية أساساً في المنافسة العالمية لأن استغلال الموارد بشكل أمثل يكسبها القوة للمنافسة. والملاحظ أن الكفاءة الإنتاجية في القطاع الحكومي من الناحية المالية والبشرية منخفضة مقارنة بالقطاع الخاص. ويعود هذا التفاوت الشاسع في الكفاءة الإنتاجية بين القطاعين الحكومي والخاص إلى أن الأول غير ربحي والثاني ربحي يعتمد على مستوى الكفاءة الإنتاجية التي تقلص التكاليف لتزيد في الأرباح وتساهم في النمو.
ويمكن تطوير الكفاءة الإنتاجية بالتدريب الذي يعد أهم الآليات لتطويرها، لأنه ينمي معرفة ومهارات وقدرات الموظفين لتكون المخرجات في مستوى عال من القيمة والجودة. الحقيقة أن الموظف المدرب بشكل أفضل يقدم أداءً أفضل، مما يحسن مستوى الكفاءة الإنتاجية، لذلك تحتاج مراكز التدريب في القطاعين الحكومي والخاص للتدريب النوعي المتخصص من حيث الوسائل والمحتوى والطرق لتحسين الكفاءة الإنتاجية. التدريب على الآلات الإنتاجية الحديثة عملية مستمرة لتزيد من المهارة والمعرفة التراكمية لدى العاملين في القطاع الإنتاجي الذي تتجدد فيه التقتية والتكنولوجيا باستمرار. التدريب المستمر ثقافة تتطور لدى الشركات التي تمارسها، بل يعتبر أحد محددات المنافسة. ولا يمكن أن تتحقق فاعلية التدريب إلا عندما تراعي إدارة التدريب عدة اعتبارات، أهمها رغبة واستعداد الشركات الوطنية للاستثمار فيه، ولتفعيل التدريب لابد أن يصبح ثقافة ومسئولية كل موظف في الشركات السعودية، ويجب أن تكون البرامج التدريبية بلغة المتدربين لفهمها.
الخلاصة، أن التدريب الحديث المواكب لحاجة سوق العمل والتكنولوجيا والتقنية الحديثة يساهم في تطوير الكفاءة الإنتاجية، ناهيك عن تطوير سلوكيات العامل فيما يتعلق بقيم العمل وواجباته وحقوقه وتطوير النمط الإداري وعملية صنع القرار في الشركات السعودية ليساهم كل موظف فيها، ليكون هناك التزام من جانبه نحو وظيفته والشركة مما يساعد بالتالي على تطوير أدائها.