تحليل

من تألق صعودا وترنح هبوطا في عام 2019؟

بداية، عدا القفزة الاستثنائية للنفط بحوالي %20 في جلسة واحدة، والتي شكلت حدثا بحد ذاته، كان هناك بعض من السلع والعملات تألقت بالصعود، وأخرى «تبهدلت» بالهبوط.

سأبدأ مع الذهب، والذي بعد سنوات من السبات العميق والتحرك الأفقي صحا فجأة، والسبب الأول لذلك أتى من الدولار، الذي يعد العامل الرئيسي في تحريك المعدن الأصفر، وهنا نذكر الدولار. وبمعنى أكثر دقة، فإنه ليس معنى أن عملة أمريكا تعرضت لتراجعات، فيكون لدينا حتما ارتفاع في أسعار الذهب، فلماذا هذه المرة القفزة كانت مختلفة وتخطت مستويات الـ 1500 دولار؟.

سأحاول تبسيط الموضوع، خصوصا أن عددا من القراء ربما لا يمتلك خلفية اقتصادية ويسمع يوميا في الإعلام عن ذلك.

أولا، وكما ذكرنا المؤثر الأول على الذهب هو الدولار، والمؤثر الأول على الدولار هو البنك الفيدرالي الأمريكي، من هنا يبدأ كل شيء بالنسبة لما حصل مع موجة ارتفاعات الذهب، والدليل على ذلك أنه في السنوات الأخيرة شهد هذا المعدن ارتفاعات، لكن لماذا لم تكن مستدامة وأخذت منحى راليا صاعدا؟! لأنها بكل بساطة لم تكن مدعومة بقرارات كبيرة من البنك الفيدرالي مثلما حصل في الفترة الأخيرة، وكما حدث أيضا وقت التراجع الكبير إلى حدود الـ 1000 دولار، وأيضا بسبب إنهاء التيسير الكمي متبوعا برفع بمعدلات الفائدة. خلاصة الأمر أنه في كل مرة يكون هناك تغيير في السياسة النقدية أو تلميحات أو تمهيد لانعطاف ما، بالتأكيد سيؤدي ذلك إلى تحرك كبير في أسعار الذهب إن كان صعودا أو هبوطا.

عام 2019 وبغض النظر عما سيحدث في القسم الأخير من السنة، نستطيع القول إن هذا العام كان عام استعادة الذهب جمهوره العريض على الأقل إعلاميا، والذي هجره قسم كبير منه وذهب إلى عملة «بتكوين» وبناتها.

بالنسبة للجنيه الاسترليني فإن موضوع «بريكست» في الوقت الحالي هو أشبه بموضوع الفيدرالي بالنسبة للتأثير على العملة، طبعا الاسترليني خطف الأضواء بشكل كبير من اليورو والين العملات الرئيسية الثلاثة بعد عملة العالم الدولار الأمريكي.

بريطانيا ومنطقة اليورو شهدتا تغييرا كبيرا على مستوى عال، الأول رئاسة الوزراء والثاني قائد البنك المركزي الأوروبي، ورجل اليورو الأول ماريو دراغي الذي رحل بعد 8 أعوام على رأس هذا البنك، ومر عليه الكثير من الصدمات والأزمات والتوترات، استطاع دراغي أن يتعامل معها كل واحدة على حدة حسب متطلباتها، وأثبت أنه كان رجل المرحلة أوروبيا رغم الانتقادات والعراقيل، التي كانت تأتيه أحيانا من البعض في ألمانيا التي هي أكبر اقتصاد أوروبي، والتي شهدت أيضا فقدان السيدة الحديدية أنجيلا ميركل رئاسة حزبها.

التأثير كبير أيضا على بريطانيا التي دخلت في منافسة كبيرة مع فرنسا والهند على لقب خامس قوة اقتصادية في العالم، ويبدو أن المستقبل على المدى القريب والمتوسط على الأقل لن يكون في مصلحتها بالنسبة لكسب المعركة مع الدولتين، خصوصا الهند التي بالرغم من التوترات الداخلية ستظل تسجل معدلات نمو مرتفعة ستعطيها الأفضلية في التنافس، إضافة إلى ذلك هناك عامل مهم في بريطانيا وهو أسعار العقار، والذي يشغل الأوساط المحلية والعالمية، خصوصا العقار الفاخر منه والذي على مدار السنوات الماضية سجل أسعارا خيالية وفلكية، إلى درجة أن المواطن العادي هناك أصبح لا يستطيع شراء استوديو صغير في وسط أي من المدن الكبرى في بريطانيا، وخصوصا مع نفخ فقاعة العقار الفاخر في السنوات الأخيرة من قبل مستثمرين من الصين دخلوا بقوة إلى السوق.

ولكن طبعا منذ استفتاء «بريكست» هدأ الوضع كليا، ولكن هناك دائما مخاوف من انفجار فقاعة العقار الفاخر رغم التراجعات التي حصلت في الأسعار، والتي أعطت بعض التهدئة، مع العلم أن الكثير من التوقعات كانت تعتقد أن موضوع «بريكست» والذي أصبح مسلسلا طويلا كان سيقود التراجع الكبير في الأسعار.

معدن البلاديوم ـ من مجموعة البلاتين ـ كان نجم المعادن بامتياز مع القفزات السعرية التي سجلها، ويكفي أنه سجل «تدبيلة» في خلال 14 شهرا فقط، بعدما كان في شهر أغسطس من العام الماضي عند مستويات 815 دولارا، طبعا تخلل هذا الرالي تقلبات سعرية عنيفة، واستطاع أيضا أن يتفوق على سعر أونصة الذهب، بعدما كان متخلفا عنها بحوالي %50، ورغم أن الذهب كسب الشعبية إعلاميا بشكل واسع، لكن ما فعله البلاديوم خلال عام واحد فقط كان فعلا استثنائيا، ولقي دعما من بعض الأساسيات منها مخاوف على الإمدادات من إضرابات في بعض المناجم في جنوب إفريقيا.

على صعيد العملات كان اللافت أيضا تهاوي عملتي السويد والنرويج بشكل فاجأ المراقبين مع تسجيل العملتين أرقاما تاريخية وصلت إلى أقل مستوى على الإطلاق أمام اليورو، وأيضا أمام الدولار، حيث وصلت الكرونة السويدية إلى أقل مستوى منذ 17 عاما مع إبقاء «ريكسبنك» ـ البنك المركزي السويدي ـ وهو الأقدم في العالم بين البنوك المركزية، معدلات الفائدة قريبة من الصفر، في محاولات متعددة للخروج من الانكماش، إلا أنه لم ينجح إلى الآن في هذه المعركة التي يخوضها دون هوادة لرفع مستويات التضخم.

طبعا هذا التأخير الدائم في موعد رفع الفائدة، مقارنة مع البنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة، يؤثر بقوة على عملة السويد، حتى لو حصل رفع مستقبلي، ولكن الأسواق بحاجة إلى نوع من خريطة طريق لارتفاعات متتالية، ويبدو أن الحرب التجارية باتت تؤثر على اقتصاد السويد والنرويج أيضا. يذكر أن الكرونة السويدية شهدت تدهورا كبيرا في عام 2015، فبعدما كانت تتداول عند مستويات 6.4 دولار في عام 2014، أصبحت عند 8.8 أمام الدولار خلال سنة واحدة فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.