من الأمور التي لا تزال وستظل تشغل بالنا وتستحوذ على جُلَّ اهتمامنا، طريقة توطين الوظائف، التي حتى الآن يشغل معظمها وافدون. بينما المواطن يبحث عن عمل فلا يجد مَنْ يستقبله أو يلقي له بالاً. والأسباب واضحة، أو قل معظمها معروف لدى أصحاب الشأن. نذكر منها توافر الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة، وسهولة الاستقدام دون حرج، وادعاء بعض أصحاب المؤسسات بعدم انضباط المواطن وانتظامه في العمل. مع أن موظفي شركة أرامكو السعودية وسابك يؤدون واجباتهم ويقومون بأعمالهم بكل جدية وانضباط. إضافة إلى صعوبة وجود المواطن المؤهل عمليًّا ويمتلك الخبرة، أي ما يتعلق بجاهزية المواطن للعمل دون حاجة إلى زمن طويل لتدريبه وتأهيله.
كل عمل أو مهنة مهما كانت طبيعتها ومستواها، تحتاج إلى نوع من التأهيل تتفاوت مدته حسب متطلبات أدائها. وهي عملية مكلفة بالنسبة لصاحب العمل، ولذلك نجد الكثيرين يشترطون توافر خبرة سابقة لدى المتقدم للعمل، خصوصًا عندما يكون استقدام البديل متاحًا لهم، وهو في الغالب كذلك. مما أوجد في بلادنا صعوبة في توظيف المواطنين. ولابد من وجود حل سريع إذا كنا جادين في عملية التوطين، وحتميته كجزء من متطلبات رؤية 2030 المباركة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو من الذي سوف يقوم بواجب تدريب وتأهيل المواطن ليكون مهيئا وجاهزًا لدخول ساحة العمل ليحل مكان الموظف الأجنبي، كما نتمنى ونأمل؟!.
هناك عدة طرق ومسارات، أفضلها وأكثرها قبولًا قيام أصحاب الأعمال والمنشآت الصناعية بهذه المهمة، كخدمة وطنية، وهو ما يمكن أن نسميه التدريب المباشر على رأس العمل، كما تفعل شركة أرامكو السعودية وشركات سابك وبعض المؤسسات الوطنية الأخرى. مع إمكانية المساندة ومد المساعدة المالية من الدولة لبعض المؤسسات الصغيرة التي قد لا تستطيع تحمل عبء التدريب كاملاً. والاختيار الآخر، الذي نحن أيضا بحاجته ولو لفترة زمنية تحددها الظروف المستقبلية، هو تحمل الدولة كافة تكاليف التدريب والتأهيل للمواطن، سواء كان ذلك عن طريق إنشاء معاهد خاصة أو دفع تكاليف ذلك لصاحب العمل مباشرة وهو يتولى التدريب على رأس العمل. ومن الممكن إيجاد مراكز تدريب وتأهيل خاصة لمعظم الوظائف والمهن المطلوبة مقابل مبالغ معيَّنة يدفعها المتدرب أو تبقى دينّا عليه حتى يتمكن من استلام العمل، ويدفعها بالتقسيط. وهي ممارسة ليست إجبارية ونشاهدها في بعض المجتمعات الأخرى. وهناك مجال كبير لأهل الخير للقيام بإنشاء مرافق تدريب كخدمة وطنية لمن لا يستطيعون توفير المال قبل بدء العمل. وقد قرأت مؤخرًا عن جهة تقوم بهذه المهمة تبرُّعًا لبعض الأعمال البسيطة. فجزاهم الله كل خير.
الاقتصاد الذي لا يعتمد على سواعد وعقول أبناء البلد أنفسهم، مهما كان مصدر رأس المال، داخليا أو خارجيا، فلن يكون مصدرًا اقتصاديًا مستديمًا، يعتمد عليه كعامل من عوامل البقاء على قيد الحياة، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بمستقبل أجيال وجدت نفسها تعيش على مصدر قابل للنضوب، كما هي حالنا اليوم، فالبترول لن يدوم لنا مدى الدهر، ولابد لنا من إيجاد مصدر دخل مستديم ومستقل نسبيًا عما يدره علينا البترول. وليس غائبًا عن أذهاننا أن محاولاتنا خلال العقود الماضية لإيجاد دخل مواز لدخل البترول لم تؤت ثمارها الذي كنا نأمل في تحقيقه. وإن كنا اليوم أكثر جدية وإصرارًا وأوضح رؤية، وهو ما سوف يساعد ـ بإذن الله ـ على نجاح مجهودنا، ولعله من نافلة القول أن نذكر أن رواتب ومكافآت المواطنين يجب أن يراعى فيها مستوى المعيشة في البلاد.