شرفة

أرامكو .. اكتتاب إرادة التحول

بعيدا عن الاقتصاد، وليس بعيدا عن روحه، وفي القلب منه، ومن جوهره.
يمثل الطرح العام لشركة الزيت العربية السعودية “أرامكو” ــ الذي شهده وشهد عليه العالم كله، في الشهر الماضي ــ حدثا استراتيجيا ورسالة عملية تبعثها المملكة إلى بقاع الأرض تقول فيها أن العزيمة والإصرار والإرادة هي منهج إدارة هذه الدولة، وأن الافعال والأعمال هي أسلوب حكومة هذه البلاد.
قرار تحويل “أرامكوالسعودية ” من شركة تمتلكها الدولة إلى شركة يشاركها فيها مساهمون من سعوديين وأجانب أفرادا ومؤسسات، هو في حد ذاته تعبير، في رأيي المتواضع، يكشف عن ثقة قوية وعزيمة لا تلين تعلنهما الدولة حول مشروع جوهره الشفافية والنزاهة والامتثال، كما يمثل تدشينا جديدا لعصر جديد، وحضور للسعودية ما بعد النفط؛ إذ بهذا التحول ستصبح الشركة ملزمة بفتح سجلاتها للمساهمين، والكشف عن أدق تفاصيل عملياتها وتدفقاتها النقدية، والإعلان كل ثلاثة شهور عن النتائج المالية، ودخولها في نفق الإفصاح المستمر عن كل شاردة وواردة تتعلق باستراتيجية الشركة وعمليات تشغيلها. كل ذلك يعني أن “أرامكو” الشركة المساهمة العامة ستكون خاضعة لاشتراطات السوق المالية ومعايير الالتزام والمطابقة والشفافية التامة، وتكون بذلك انتقلت من مرحلة الصندوق الأسود إلى السجل المفتوح.
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحدث في العام 2016 عن موضوع الشفافية، وربطها بحال طرح أرامكو السعودية والاكتتاب في جزء من أسهمها، وهذا هو السائد والمأمول من عملية الطرح، حيث سيكون السعوديون والأجانب أمام مشهد من الشفافية العالية عن أهم شركة وطنية على أرض هذه البلاد.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيمكن رصد ثلاثة مواضع مهمة لطرح أرامكو للاكتتاب العام. الأول أن هذا الاكتتاب يمثل مصدرا قويا للدخل، حيث ستوجه الفوائض لصندوق الاستثمارات العامة، والتي تعد الذراع المالية لتفعيل مشروع رؤية 2030، حيث ينتظر أن يشكل استثمار الصندوق لمتحصلات الطرح ــ والمقدرة بقرابة 96 مليار ريال (25.8 مليار دولار) عبر بيع 3 مليارات سهم للأفراد والمؤسسات ــ موردا قويا لميزانية الدولة، وأداة تحييد عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وعليه ستصبح المتحصلات من الاكتتاب تحت تصرف الصندوق ليقوم بإدارتها، وفقا لما يعظم الفائدة منها ويعود بالنفع على مصادر تمويل الدولة للحاضر وللأجيال القادمة.
أما الموضع الثاني، فهو التأكيد على الخصخصة في أجهزة وقطاعات الدولة كنموذج تؤكد القيادة الذهاب إليه باعتباره ضرورة تتواكب مع ديناميكية التطورات الاقتصادية الحالية، وما له من انعكاسات إيجابية عديدة منها، على سبيل الإشارة، توليد آلاف الوظائف، ورفع مستوى الجودة والأداء في العمل والخدمة والمنتج، وغيرها من المكتسبات التي سترفع من مستوى التنمية ورفاهية الانسان. فيما يتمركز الموضع الثالث ما سيؤدي إليه إدراج سهم أرامكو في السوق المالية، حيث سيعمق سوق الأسهم لدينا ويوسع متانتها المالية، وسيضاعف حجمها من حيث القيمة السوقية، وسينقلها إلى مصاف أكبر عشرة أسواق مالية في العالم.
هذا غيض من فيض للانعكاسات الاقتصادية المأمولة من هذه الشركة، وحيث يشكل طرح أرامكو للاكتتاب العام ثقافة اقتصادية جديدة أينما حلت، إذ ستكون إحدى محركات تحفيز الابتعاد عن النفط كمصدر وحيد للدخل، وتعزيز مبدأ الشفافية في المنظمات، والتشجيع على خصخصة مزيد من قطاعات الدولة، بالإضافة إلى انعكاساتها على تعميق سوق الأسهم، وتوسيع قيمتها السوقية إلى مصاف عالمية.
اليوم يمكن لأي مواطن أو خليجي بل وحتى مقيم؛ عامل متواضع أو متخصص رفيع، أن يكون مساهما في أضخم شركة متكاملة للنفط والغاز والطاقة في العالم.
نقولها بثقة، إن قرار تحول “أرامكو” السعودية لشركة مساهمة لهو نموذج للاستثمار في الإرادة والعزيمة للتحول الحقيقي قبل أن تكون استثمارا اقتصاديا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.