طلب منه إمام المسجد أن يجلسَ في الصف الأول فقال للإمام إن هذا مكان الملك ومرافقيه
حاول الحرسُ سحبه من مكانه في الصف الأول في المسجد بجوار الملك فنهاهم الملك
عمل في ترتيب الهدايا التي تصل للملك وتنسيقها لفترة ثم غادر قصر المربع باحثاً عن عمل آخر
لم يتم قبوله في أرامكو لضعف بصره فالتحق بعمل في قسم تفجير الديناميت بشركة العليان
ظلّ مطار الرياض الحُلم الذي لا يبرح خياله، يطارده أينما ذهب، حتى امتلك عليه حياته، سكنه الحُلم، واستوطن هو حُلمَه لا يغادره، حتى تحول إلى حقيقة، فأصبح ــ بحق ــ بوابة دخوله عالم الهندسة.. فقد رأى في المطار المساح المدني يقوم بعملية المسح، فراح يتابع ما يقوم به المساحُ من عمل يتّسم بالحرص، وأداء يمتاز بالدقّة، فتمنى أن يكون مهندسا، وقرر دراسة الهندسة، إلا أن الأمنية كانت صعبة، ولم يكن تنفيذ القرار سهلاً.. في الطريق إلى الحُلم، اعترضته منعطفات وعقبات والتواءات وعثرات، لكنها لم تكسر إرادته، ولم تنسه حلمه.. انتقل من عمل إلى آخر، ومن وظيفة إلى أخرى، ومن راتب ضئيل، إلى زيادة في الراتب، وترقية في الوظيفة، حتى تحقق الحُلم، وصارت الأمنية واقعا تدب فيه الحياة.. نجح علي بن حسين الصغير، مهندسا، كما حقق نجاحات عدة في مجتمعه، وفي خدمة وطنه، وفي حياته الاجتماعية والعائلية، بعد أن أصبحت الهندسة عمله وميدانه وخُبزه اليومي..
لم يكن يعلم أن دراسة الهندسة في الجامعات الأمريكية هي ما يخبئُه له القدر، فبعد أن تنقل بين الرياض والخرج والأحساء فترة دارساً، وأخرى عاملا، استقر به الحال في عالم أرامكو، فكانت خطوة جريئة أثبت معها جدارته وتفوقه في العمل، حتى حصل على بعثة علمية مع كوكبة من الشباب إلى بيروت، ثم الولايات المتحدة الأمريكية حتى أصبح حلم دراسة الهندسة واقعا وحقيقة، وكان إصراره على دراسة الهندسة سبباً في دخول هذا التخصص، والظفر بنيل شهادة الهندسة المدنية، فكان علي بن حسين الصغير أول مهندس مدني سعودي في أرامكو.
الولادة والنشأة:
ولد المهندس علي بن حسين الصغير في مدينة البدايع بمنطقة القصيم عام 1345هـ/ 1927م، وترعرع في منزل والده وبدأ دراسته التي لم تكن نظامية في ذلك الوقت، وكان عمره سبع سنوات، عندما توفيت والدته، وفي الرياض درس على يد المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم وكانت الدروس تبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، فيما كانت الدراسة تشمل مواد الفقه والتوحيد والنحو والصرف، وكان يحضر الدروس برفقة أخيه الأكبر، وفي النهار يذهب للدراسة في الكتاتيب بالمسجد، وكان يدرسهم الشيخ علي الوهيبي والشيخ محمد النفيسة، واستمر في الكتاتيب لأربع سنوات، كان يحصل خلالها على عشرة ريالات شهريا من الدولة، مكافأة للطالب، إلا أنه ترك الدراسة فجأة، بتصرف ارتجالي، وذهب لإخوته من أمه في الخرج، وأفهمهم أنه يرغب بالعمل، وأثناء تواجده بالخرج انتشر مرض الملاريا، فخشي إخوته أن يموت عندهم وأرسلوه للرياض حتى شفي تماما.
الحياة العملية:
بعد أن شفي علي من المرض، أخذه أخوه إلى قصر المربع حيث مكان إقامة الملك عبدالعزيز، وطلبوا منه أن يتعلم القرآن الكريم في أحد أجنحة القصر، وحدث له موقف طريف عندما ذهب الملك عبدالعزيز إلى القصيم، وطلبوا منه إحضار إمام المسجد الذي قال له اجلس في الصف الأول، في مكان مجاور للذي سيجلس به الملك عبدالعزيز، فقال للإمام إن هذا مكان الملك ومن معه! قال الإمام: هذا بيت الله. وترك مسافة تكفي لشخصين، وبعد حضور الملك، جلس بجانبه، فقام الحرس بسحبه ونهاهم الملك عن ذلك، وبعد عودة الملك من القصيم، انتقل علي الصغير إلى جناح آخر من القصر خاص بالهدايا التي تصل للملك، وتولى ترتيبها وتنسيقها لفترة، إلا أنه لم يطل المقام به في العمل بقصر المربع، فغادره دون علم العاملين معه وذهب ليبحث عن عمل آخر.
مطارالرياض:
ذهب إلى مطار الرياض، بعد أن عرف أنه يمكن أن يلتحق بعمل في الشركة التي تتولى بعض مهام العمل بالمطار. والتحق بوظيفة في الشركة، وفي البدايه جلس مع أحد الحراس، وتعلم من خلال عمله الجديد مبادئ اللغة الإنجليزية، حيث كان جزء كبير من العاملين بالشركه أجانب، وبعد مرور سنة، تم تعيينه في قسم السيارات، وتعرف على ميكانيكا السيارات وقطع غيارها، ورأى العاملين في قسم المساحة من مهندسين ومساحين وأعجب بطبيعة عملهم، وهذا ماحبب إليه المهنة، وتمنى أن يكون مساحا أو مهندسا، فكانت بداية انطلاقة الحلم بأن يكون مهندسا وعمل بالمطار لمدة أربع سنوات تقريبا ثم ذهب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج مع والده، وبعد قضاء فريضة الحج، عاد إلى الرياض ثم ذهب إلى أرامكو في الظهران، بصحبة اثنين من مدينته البدايع، وكانت هناك خيمة معدة من أبناء منطقته للذين يأتون من البدايع طلبا للعمل ويقيمون فيها حتى يحصلوا على الوظيفة. وفي المرة الأولى لم يتم قبوله في أرامكو لضعف بصره، ثم عمل مع شركة العليان وكان ذلك عام 1950 في قسم تفجير الديناميت، وحظي بإعجاب المسؤول الذي عينه على رأس مجموعة، وبعد فترة من عمله، طلب بمشورة من أقاربه زيادة أجره اليومي من ثلاثة ريالات إلى خمسة، وتم له ذلك وبعد فترة قصيرة ترك العمل وعاد إلى الخيمة، وظل يبحث عن عمل آخر، مع شوقه لمواصلة تعليمه.
زاد أجره اليومي من ثلاثة ريالات إلى خمسة لكنه ترك تفجير الديناميت باحثا عن عمل آخر بشوق للتعليم
أنشأ مركز “حياة” لمكافحة التدخين بالقصيم بـ 6 ملايين ريال وساهم في مساجد أخرى تصميما وإشرافا وإنشاء
في “أرامكو” قرأ أسماء قطع الغيار فأثار دهشتهم أن يأتيهم شخص يقرأ ويعمل بثلاثة ريالات في اليوم!
حقق درجات عالية في دراسة الإنجليزية وتعلم التخزين والإدارة فرفعوا راتبه وعيّنوه مديرا لمستودع قطع الغيار
مرحلة أرامكو:
ذهب إلى الأحساء، وحاول مرة أخرى الالتحاق بأرامكو وسجل فيها، فقبلوه هذه المرة، وأخذوه إلى بقيق، ثم إلى الظهران لإجراء الفحص الطبي، واجتازه، وعرف أن لدى أرامكو برنامجاً للتعليم وأن راتبها ثلاثة ريالات باليوم، وبعد أن اجتاز كافة الاختبارات رجع إلى بقيق في الرابع من أكتوبر عام 1951، وانتظم في الشركة، وعين في مستودع لقطع الغيار مع مجموعة من الشباب السعوديين، حيث عملوا على تنظيف قطع الغيار وترتيب الرفوف. وعندما أبدى بعض المهارات في قراءة أسماء قطع الغيار، استغربوا أن يأتيهم شخص يقرأ ويعمل بثلاثة ريالات في اليوم، وغيروا من تعاملهم معه، وبعد حوالي ثلاثة أشهر بدأ علي الصغير في دراسة اللغة الإنجليزية، وحقق درجات عالية وتعلم التخزين والإدارة، وتم رفع راتبه ووجد نفسه يدير مستودع قطع الغيار، وبدأت تزداد ساعات الدراسة والتدريب على رأس العمل، وفي 1961 أنهى الصغير دراسته التي استغرقت تسع سنوات.
طريق الطموح:
كان علي الصغير أحد المرشحين الـ 19 للدراسة بالخارج، ضمن اتفاق بين الحكومه وشركة أرامكو لتدريب وتدريس السعوديين العاملين بها، وتم ابتعاثه إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأمريكية لعام واحد، وكان اختيار التخصص متاحا للمبتعث، وكان ذهن علي لا يزال منشغلا بحلمه القديم، الذي راوده في أثناء عمله بمطار الرياض، حلمه الذي لم يبرح رأسه، متمثلا في دراسة الهندسة، وبعد انقضاء السنة في بيروت، تم ابتعاثه إلى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة المدنية في جامعة كورنيل، وطلبت الشركه تغيير تخصصه بعد سنتين، إلا أنه تمسك بالتخصص، وناصره عميد الكلية الذي عاتب الشركة بسبب تفوقه، وكانت الجامعة خاصة ولا يدخلها إلا أبناء الأثرياء في أمريكا.
وكان علي ــ قبل ذهابه للدراسة في أمريكا ــ قد تزوج، وكان ذلك عام 1958 وبسبب مرض والده ترك زوجته لترعاه، وكان يعود إليها في الإجازات خلال سنوات الدراسة، وقد رزق بابنه البكر محمد وهو في بداية بعثته وفي السنة الثانية من دراسته توفي والده، ولم يسمع عن رحيله، إلا بعد شهر من الوفاة، ولعدم توافر وسائل التواصل حينها، لم يستطع حتى الاتصال بأسرته.
العودة بعد البعثة:
بعد أن نال الشهادة الجامعية في تخصص الهندسة المدنية وبدأ عمله في منطقة بقيق، كان يتقاضى راتباً قدره 1810 ريالات، وكان هذا الراتب يعطى لأي موظف حديث التخرج واحتج طالبا زيادة راتبه، إلا انهم أفادوه بأن هذا هو النظام المتبع، ثم ذهب إلى الرياض لإحضار عائلته وفي طريقه زار ابن عمه الذي قال له إن الدكتور مطلب النفيسة يسأل عنه وكانوا حينها يؤسسون معهد الإدراة العامة، وكان وزير الزراعة آنذاك حسن المشاري يبحث عن مهندس ليكون منسقا بين الحكومة والشركة المنفذة لمشروع الري والصرف في الأحساء، وقالوا له إنه الشخص المناسب لهذه الوظيفة، وأجابهم المهندس علي قائلا: لم أتعلم إلا لخدمة وطني.
ولكنه لأسباب خاصة، لم يتسلم العمل، وواصل وظيفته في شركة أرامكو في مجال الأعمال الهندسية، ولكن الخبرة التي تنقصه في هذا المجال جعلت ترقيته صعبة، مع أنه المهندس السعودي في دائرته وواصل عمله لمدة عشر سنوات واكتسب خبرة جيدة، إلا أنه أحس بالظلم في وجود مهندسين أمريكيين جدد، يدربهم ثم يصبحون رؤساء عليه، ويمنحون ترقيات أكثر منه، ولوجود فرص عمل كبيرة حينها في القطاع الخاص، فكر في افتتاح مكتب هندسي، إلا أن أنظمة أرامكو كانت تمنعه من ذلك.
القطاع الخاص:
بعد تفكير ومقارنة قرر المهندس علي الصغير الاستقالة من عمله في أرامكو وافتتح مكتباً هندسياً وكان ذلك في نهاية شهر مارس من عام 1976 ولم يكن القرار سهلاً ولكنه كان الأنسب بل رأى أنه أضاع وقتاً طويلاً في الوظيفة بلا جدوى وعندما افتتح مكتبه لم يكن في الدمام سوى مكتبين هندسيين هما مكتب عزمي عبدالهادي ومكتب يعقوب المدالله الذي يعتبر أول مهندس معماري سعودي في أرامكو وكان المهندس علي يأمل العمل مع أرامكو عبر مكتبه الهندسي إلا أن رغبتهم في المهندسين الغربيين حالت دون ذلك وقد حصل رغم ذلك على شهادة حسن عمل وجودة من أرامكو، ووجد العمل الحر ممتعا، وأشرف من خلال مكتبه الهندسي على العديد من المخططات والفلل والقصور والعمائر، ونفذ العديد من الأعمال الحكومية، ولمعرفته بمشاريع أرامكو وتعاملها مع المكاتب الهندسية، اقترح تأسيس مجموعة أو كيان موحد لبعض المكاتب الهندسية، لرفع الإمكانات والدخول في مشاريع كبيرة، ووجدت فكرته بعض الاستجابة، وحصل بالفعل اندماج بين بعض المكاتب، ولكنه لم يندمج معهم لسبب ما، رغم أنها كانت فكرته، وظل يقول: لو عرضت علي فكرة الاندماج هذه لقبلتها فوراً.
الصغير والمسئولية الاجتماعية:
للمهندس علي الصغير بصماته الخيرية ومن أبرزها إنشاء مركز حياة لمكافحة التدخين بالقصيم، والذي تكلف إنشاؤه ستة ملايين ريال، إضافة إلى المساهمة في بناء عدد من المساجد تصميما وإشرافاً وإنشاء، وغيرها من التبرعات الداعمة للمراكز الخيرية وحملات التطوع في شتى مناطق المملكة.
سطور من حياته الاجتماعيه:
المهندس علي بن حسين بن محمد الصغير الحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من أمريكا عام 1966 متزوج وله ستة أبناء وبنتان أكبرهم محمد وهو يحمل درجة الدكتوراه في الهندسة، ويعمل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأشقاؤه: المهندس عبدالله، المهندس حسين، المهندس سامي، وفهد، وإبراهيم، والمهندس علي صاحب ومؤسس مكتب الخدمات الهندسية والفنية مهندسون استشاريون بالدمام وعضو في جمعية المهندسين المدنيين الأمريكية مدى الحياة وعضو باللجنة الهندسية السعودية منذ تأسيسها.
وفاته:
بعد سنوات من الكفاح والعطاء وتحقيق الطموح في تحصيل العلم والحصول على الشهادة الحلم والمساهمة في بناء الوطن ترجل الفارس. ففي يوم السبت 27/2/1441 الموافق 26/10/2019 توفي علي الصغير تاركا وراءه تاريخاً حافلا بالعطاء، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنته.