تقول الطرفة عن رجل حصيف، واسميه حصيفا، لأن الطرفة وصفته بالبخل، تقول إن طفله طلب منه عشرة ريالات ـ وأتخيله كان متكئا ـ فجلس ورد عليه: ماذا تقول، خمسة ريالات؟ ليس معي سوى ثلاثة ريالات، خذ هذين الريالين يكفيانك؟.
يتطلب الشمول المالي توافر القدرة لدى الأفراد ومؤسسات الأعمال على الحصول على الخدمات المالية واستخدامها بفعالية بأسعار معقولة وبطريقة مسؤولة، وتحقيق الشمول يتزايد عالميا، ونحن في المملكة حققنا الكثير في هذا الملف، وربما كنا الأذكى والأسرع في توظيف التقنية وانتشار الهواتف الذكية في خدمة هذا الهدف.
يؤدي إشراك الناس في القطاع المالي الرسمي إلى تحسين معيشتهم، ويسهم أيضاً في سلامة الأنظمة المالية ذاتها، وتوقع تحسين المعيشة، يأتي كفكرة عالمية، بسبب أن الفقراء يعيشون ويعملون في نطاق ما يعرف بالاقتصاد غير الرسمي، فهم لا يمتلكون حساب ادخار أو بطاقة خصم أو ائتمان، لكنهم يعتمدون على الطرق غير الرسمية لإدارة الأموال.
ويتفق كل الباحثين والمهتمين في هذا الشأن، على أن الشمول المالي هو أحد أهم مرتكزات تحقيق الادخار لدى الأفراد، والحكومات. ولأن موضوع الادخار هو من أهم الأشياء التي نفتقدها في مجتمعنا. وقد انتبهت إلى أن الدراسات والأبحاث الأكاديمية والميدانية في هذا الشأن أقل مما يجب، وفي ظني أن هذا المفهوم يجب أن يدرس ليس عن طريق منهج أو مقرر مدرسي، بل بعدة طرق تبدأ من المنزل ولا تنتهي في المدرسة.
وقد أعجبني بحث فقهي وجدته على شبكة “الإنترنت” عن الادخار لشموله بعض الأفكار عن أهمية الادخار وآثاره الإيجابية كتبه الدكتور إسماعيل البريشي أستاذ الفقه في الجامعة الأردنية، ومن هذه الأفكار أن الادخار يؤدي إلى تنشيط الدورة الاقتصادية، وذلك عبر ضخ المدخرات في المنظومة الاقتصادية للدول والمجتمعات، وينعكس آثارا إيجابية على الأداء الاقتصادي للدول والأفراد، وأن الادخار يؤدي إلى تحقيق الأمن النفسي لدى الأفراد من خلال اطمئنانهم إلى وجود مدخرات في حوزتهم يستطيعون استخدامها والالتجاء إليها عند الحاجة أو الضرورة.
أيضا يؤدي الادخار إلى تحقيق الأمن الاقتصادي، من خلال وجود مدخرات يمكن للمشاريع الاستثمارية استقطابها واستدراجها وتشغيلها في هذه المشاريع، مما يحقق الاكتفاء الذاتي للدول والأسر عموما، ويساهم أيضا في تحقيق الأمن الاجتماعي، لأن شعور الناس بامتلاكهم المال، وأنهم قادرون على تأمين متطلبات حياتهم من خلال تلك المدخرات، يمنعهم من التطلع إلى ما في أيدي الآخرين أو محاولة الاستحواذ عليه من خلال السرقة أو السطو أو الاختلاس أو الرشوة، وهذا فيه إشاعة للأمن الاجتماعي وإدامة له.
بمثل هذه الأفكار والتوسع فيها يمكن إشاعة ممارسة الادخار، وتشجيع الناس على الشمول المالي أكثر جنبا إلى جنب، فكثير من الناس ـ وأنا منهم ـ نحث أفراد عائلاتنا وأصدقاءنا على الادخار لكننا نعجز عن إيجاد قاعدة للقناعات تشجع على البدء في التنفيذ.
الآن، هل يمكنك تحقيق نقل هذه المفاهيم لنفسك أولًا عبر الاقتناع بها، ثم لمن أنت مسؤول عنهم مسؤولية التربية أو التعليم أو التثقيف ونقل وتكريس المفيد من تجارب الحياة؟.
الكثير منا يتأخر في إفهام أولاده وبناته معنى الحساب المصرفي، ومعنى الأجر، ومن أين يأتي المال المتوافر في بطاقة بلاستيكية، والغريب أنه مع ثورة التقنيات والاتصالات، ربما تجد الأبناء والبنات يتجاوزونك فيما يخص المدفوعات الرقمية، لكن هناك مسافة فارغة في معرفتهم المالية الأساسية، بعبارة أخرى، في معرفتهم بمنبع أو سبب أو كيفية حفظ الأموال لتصبح متاحة للدفع عبر التقنيات الجديدة.
المساعي الحكومية المتمثلة في جهود مؤسسة النقد بالنسبة للشمول المالي والادخار، وجهود بنك التنمية الاجتماعية بالنسبة للادخار، لن تكون كافية بدون دعم “فكري” وتطبيقي من الأفراد، أنا وأنت والصغار الذين يكبرون بسرعة، يمكنك أحيانا قياسها من الارتفاع في مصروفهم اليومي أو الأسبوعي، و”صفرية” مدخراتهم.
نحتاج تربويا وعمليا إلى أفكار، أفكار من النوع الذي “يغري” الشباب والمراهقين من الجنسين بالادخار، وأفكار من النوع الذي يجعل التثقيف المالي جذابا للصغار في المنزل والمدرسة، وربما تنفعنا بعض المسابقات أو استخدام بعض سجالات التواصل الاجتماعي، ليصبح لها بعض الفائدة على الأقل.