نافذة

صناعة التعليم!

التقدم والازدهار والتنمية والابتكار ومرادفاتها في القاموس الفكري الاستراتيجي للدول الناجحة، تُعد بمثابة أهداف طرفية مستقبلية، وكنتائج مرجوة من عدة تطبيقات وخطوات سلوكية ناجعة قد سبقتها، ويتموضع التعليم كمنهج وجودة على رأس قائمة تلك الخطوات البنيوية للدول باعتباره أحد أهم الوسائل المحورية المباشرة للوصول إلى تلك الأهداف.

التسارع في التطور المعرفي العالمي خلال العقود الماضية خاصة العقود الثلاثة الأخيرة ـ الذي شكل مساراً تصاعدياً، مع تزايد وتيرته كلما ولجنا أكثر في سنوات القرن الحادي والعشرين ـ ما هو إلا انعكاس في أحد جوانبه الرئيسية لعامل جودة التعليم في تلك البلدان التي نالت حظاً من تلك الأهداف السامية السابقة الذكر، مع عدم إغفال تأثير الجوانب اللوجستية الأخرى ككفاءة الإدارة والتي تصب في ذات المنحى.

وعلى هذا المنوال فإن جودة الدائرة التعليمية ورصانتها وهيكلتها الجيدة وديناميكيتها تمثل الزخم المطلوب لإنجاح عملية التقدم في المجتمعات الدولية، والعلاقة بين هذه العوامل طردية دون أدنى شك، وعلى هذا القياس يتحتم على الدول التي تصبو إلى تطوير وازدهار منظومتها الاقتصادية والتنموية أن تراعي باهتمام مسألة المراجعة الدورية لعمليتها التعليمية وبفترات زمنية تتناسب مع معدل سرعة التقدم المعرفي في العالم.

دول عديدة في ظل النظام العالمي الجديد ـ العولمة ـ أصبحت تسابق الزمن من حيث التنافس فيما بينها معرفياً، مع تطلع كل منها لحجز مكان مؤثر لها على كافة الأصعدة دولياً، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يتأتى لها إلا مع نظام ومنهج تعليمي متجدد يستشرف تطلعات المرحلة ويواكبها.

وضمن العملية التعليمية تسعى الدول الناجحة إلى تحقيق كفاءة النتائج مع تقليل التكاليف والهدر المالي، وذلك بتقديمها مبدأ نوعية المحتوى وجودته على كم المخرجات التعليمية، ويتم الأمر من خلال عدة إجراءات كتقديم المواد التعليمية الحديثة في سن مبكرة للطلبة وبصورة تسلسلية ومكثفة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تكرار تدريس المناهج التعليمية نفسها خلال المراحل التعليمية المختلفة إلا كإشارة متى ما اقتضت الحاجة، إضافة إلى الاستفادة من المدرسين في المراحل التعليمية المتقدمة كالجامعات والمعاهد المتخصصة ـ بخلاف تدريسهم ـ وذلك بإشراكهم في دعم العملية التنموية للبلد من خلال بحوثهم ونتاجهم العلمي، والذي يُعد أيضا أحد وسائل التمويل الذاتي لتلك الكيانات التعليمية!. كما أنها تولي مسألة الموازنة بين نوعية المخرجات التعليمية ومتطلبات سوق العمل في المرحلة المقبلة الأهمية القصوى.

وعلى جانب آخر تعمل على تكريس مفهوم التعليم النشط Active Learning الذي يُعنى بالبحث العلمي وتشجيع التطبيقات العملية والفهم، لا التلقين، والقدرات الشخصية للطلبة في المراحل التعليمية الأولى، أخذاً بمنهج أن العقل البشري بالإمكان تطويعه مبكراً، وبالتالي تحفيزه على التفكير والإنتاج في مدة زمنية أقصر.

وبخطوات غير تقليدية قامت بعض المراكز التعليمية العالمية بالاستعانة بأصحاب الخبرة ممن أثبتوا نجاحاً باهراً في حياتهم العملية ـ دون الالتفات لدرجاتهم العلمية ـ بإلقاء المحاضرات للطلبة وذلك استفادة من تجاربهم وخبراتهم التي أهلتّهم لذلك النجاح الملموس!.

وقفات:

  • العديد من الدول الناشئة والنامية عمدت إلى تشجيع بعض الكيانات التعليمية الأجنبية المرموقة لفتح فروع داخل أراضيها، فمن شأن خطوة تنظيمية كهذه المساهمة في تحفيز العملية التعليمية في تلك البلدان، ناهيك عن الفوائد الاستثمارية الأخرى التي تحصدها، إدارية ومالية وثقافية، فالتعليم في نهاية الأمر أصبح صناعة مميزة للقدرات والإبداع البشري.
  • سوق العمل خلال القرن الحالي تغير عما كان عليه في السابق، فلم يعد التعليم التقليدي وشهاداته المؤثر المُقدم للحصول على الوظيفة، بل إن القدرات المعرفية للشخص ومهاراته وقدرته على التطور والإنجاز والابتكار، أصبحت مطلباً ملحاً للعديد من جهات العمل المختلفة.
  • الفقرة السابقة تحتم التنويه عن تحديات الأتمتة في سوق العمل خلال المرحلة المقبلة، وبالإمكان الاطلاع على مقال سابق بعنوان: الأتمتة ومراكز التفكير والتحدي المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.