نمذجة اقتصادية خالصة أم منصة جيوسياسية!
تدخل الصندوق في أزمة منطقة اليورو بفرضه سياسات تقشفية أضرت كثيرًا بشعوب المنطقة
قد تكون سياسات الصندوق تختلف عن الذي نعتاد عليه، فلا أحد يريد أن يذهب للطبيب، ولكنه مضطر لذلك
الشماس: شروط القروض خلقت نموذجًا اقتصاديًا مرتبطًا بحركة التجارة العالمية
الجعفري: روشتة الصندوق لا تتغير بفرضه شروط مجحفة على المدى البعيد
باعشن: قد تكون هناك ممارسات خاطئة، ولكنها ليست مسؤولية الصندوق بل الدول التي سنت هذه الممارسات
الحمارنة: شرط الإقراض يوسّع دائرة الفقر وحاجة السكان والبطالة ولا يساعد في معالجتها
ترفع قروضه من الملائمة المالية للدول ما يُمكّنها من الحصول على قروض من جهات تمويل أُخرى
تضطر الكثير من دول العالم التي تعاني من أزماتٍ اقتصاديةٍ خانقة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي كحل أخير قد يُنقذها من مستقبل يشوبه الكثير من الغموض على أمل أن يمد الصندوق لها يد العون والمساعدة في معالجة مشكلاتها.
بيد أن هذه اليد السحرية لا تأتي مجاناً، ولكنها بفوائد كبيرة وتراكمية، مقرونةً باشتراطات بالغة الصعوبة، وبإصلاحات مُلزمة تكون في الغالب مؤلمة لاسيما لذوي الدخول المحدودة، ويرفض الصندوق تقديم أي حزمة من الأموال دون تحقيق شروطه بالكامل.
دوامة فوائد لا تنتهي
دفعت الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي في العقد الأخير بصندوق النقد الدولي إلى الواجهة مجددًا، بعد أن بات الحل الأخير لدول كثيرة تعاني مشكلات مالية، مثل: اليونان والبرازيل وغانا وزامبيا وتركيا، ولكنه في نهاية المطاف تسببت قروضه في أزمات كُبرى لهذه الدول وغيرها ممن اقترضت من الصندوق التي تدور اقتصاداتها في دوامة فوائد قروضه التي لا تنتهي.
سياسات تقشفية
ويذكر أنه عندما تدخل الصندوق بشكل مباشر في معالجة أزمة منطقة اليورو، عبر فرض تبني سياسات تقشفية صارمة، أضرت تدخلاته كثيرًا بشعوب المنطقة، من دون أن تقود بعد سنوات من تطبيقها إلى تحسن ملموس في مؤشراتها الاقتصادية؛ ففي اليونان تسببت شروط الصندوق في آثار سلبية على تنشيط الاقتصاد والدفع بعجلة الاستثمار وخلق الوظائف، عكس ما كان خبراء الصندوق يعدون به، فارتفعت نسب البطالة نتيجة تزايد حملات التسريح الجماعي جراء إغلاق الوحدات الإنتاجية أو تراجع نشاطها، واتسعت مظاهر الفقر ومعها ارتفعت معدلات الجرائم.
عباءة الجيوسياسية
ولم تكن اليونان الحالة الوحيدة التي تأثرت بالاقتراض من الصندوق؛ وإنما حدث ذلك بشكل شبه مماثل في كل من الأرجنتين والبرازيل، فمع مرور الوقت وجدت هذه الدول أنها تسدد فوائد الصندوق من المدخلات التي كانت يجب أن توجه للمواطنين.
ويؤكد محللون ماليون مختصون في الاقتصاد العالمي، تحدثوا لـ”الاقتصاد”، أن الصندوق على الرغم من محاولته الظهور بمظهر مالي بحت فإنه لا يمكن أن يخرج عن عباءة الجيوسياسية، وعلى الرغم من أنه وكالة متخصصة من منظمة (بريتون وودز) التابعة للأمم المتحدة، وأنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1944م للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ حصتها فيه نحو %17.5 سيطرت على سياساته وأخذت تتدخل في شروطه للإقراض.
نظام اقتصادي جديد
ويرى المحلل المالي والرئيس التنفيذي لشركة ريادة المالية، فيصل الشماس، أن صندوق النقد الدولي ظهر مع نهاية الحرب العالمية الثانية لخلق نظام اقتصادي دولي جديد يسعى إلى إيجاد بيئة اقتصادية عالمية مستقرة من خلال تقديم الحلول المالية التي تُسهم في منع وقوع الأزمات، فاتجه إلى إقراض الدول التي أوشكت على الإفلاس مقابل تنفيذ مجموعة من الإجراءات والسياسات التقشفية كتخفيض العملة المحلية لتخفيض الواردات مقابل الصادرات والسيطرة على التضخم وتقليص العجز في الموازنة العامة وفتح باب الاستثمارات الخارجية والحد من حجم الإنفاق الحكومي.
منظومة التنمية المحلية
ورغم ما أوجدته هذه الإجراءات، بحسب الشماس، من نموذج اقتصادي جديد داخل هذه الدول حيث جعلتها أكثر انفتاحًا على حركة التجارة العالمية، فإن إجراءاته بجانب أنها كانت سببًا في إلحاق الضرر بمنظومة التنمية المحلية في الدول المقترضة، فضلاً عن فقدانها للاستقلالية، كان اللجوء إليه سبيلاً لإعادة هيكلة اقتصادات الدول النامية وترتيب أوراقها، لما يملكه من خبرة إدارية وقوة مالية وسلطة سياسية يقف خلفها الدول الكبرى اقتصاديًا وسياسيًا، بالإضافة إلى ذلك يقدم الصندوق من خلال تقارير دورية وغير دورية توصيات ونصائح غير ملزمة للدول غير المرتبطة بقروض معها تساعدها في رسم استراتيجياتها واتخاذ القرار.
اشتعال الأوضاع الداخلية
وقد اعتقدت البرازيل كأحد النماذج المقترضة من الصندوق، أن اللجوء للصندوق سيكون حلاً مثاليًا لها، غير أن شروط الإصلاح التي اشترطها الصندوق تسببت في تسريح ملايين العمال، وخفض أجور باقي العاملين، وإلغاء دعم طلاب المدارس، وتدخل القائمون على الصندوق في السياسات الداخلية للبرازيل، وهو ما تسبب في نهاية المطاف باشتعال الأوضاع السياسية الداخلية، واحتاجت البرازيل لنحو 12 عامًا لسداد قرض الصندوق، ولكن بعد أن تراجع عدد البرازيليين الذين يملكون المنازل بشكل كبير، إذ بات حوالي %20 من البرازيليين يمتلكون نحو %70 من الأملاك، اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، ومع نهاية القروض هبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، واحتاجت الدولة لقرض آخر للخروج من الأزمة، ولكنها لم تنجح في تجاوز مشاكلها المالية إلا بالافتكاك من قروض الصندوق.
الفوائد المستحقة على الديون
وتكررت الأزمة ذاتها في اليونان، التي احتاجت لأكثر من 100 مليار يورو للخروج من أزمتها المالية التي بدأت في عام 2010م عندما اشترط الصندوق على الدولة الأوروبية اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية، كتحقيق فائض الإيرادات عن النفقات مخصوم منها الفوائد المستحقة على الديون، فزادت الأوضاع سوءًا، وهو ما أدى إلى فشل اليونان في سداد ديونها، وارتفعت معدلات البطالة لأكثر من %25، الأمر الذي تسبب في اضطرابات سياسية كبيرة، وعجزت في نهاية المطاف عن سداد الأقساط المستحقة عليها.
مراجعة الإجراءات والشروط
النماذج أعلاه وغيرهم كالمكسيك والأرجنتين وبعض الدول في المنطقة العربية ممن لجأت إلى الاقتراض من الصندوق، تدعو إلى المزيد من المراجعة لإجراءات الصندوق التي أثبت التجارب عدم قدرتها على تقديم معالجات مؤثرة للدول التي تعاني أزمات اقتصادية.
وهو ما ذهب إليه، المستشار المالي، علي الجعفري، بقوله إن شروط الصندوق وإملاءاته تحتاج إلى المراجعة كونها أصبحت مُضرةً على المدى البعيد رغم بريق الأموال التي يُقدمها، مشيرًا إلى أن روشتة الصندوق الدولي لا تتغير، فهو يفرض شروطه التي تكون مجحفة، لافتًا إلى عدم وجود دولة استفادت من قروض الصندوق وشروطه، بل على العكس من ذلك، دول كثيرة تضررت منه، وبات حالها أسوأ، ولم تتحسن اقتصاديًا إلا بالافتكاك منه، نظرًا لأن قروضه ذات فوائد كبيرة ومتراكمة، فهي تعد مستنقعًا لا فكاك منه.
المزيد من الضرائب
وقال إن الصندوق دائمًا ما يفرض شروط تتركز على فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن السلع، وأن بعض الدول تحتاج للقروض وبالتالي تكون مُضطرة للقبول بهذه الشروط، مؤكدًا أن الصندوق ليس حلاً مثاليًا للأزمات المالية، فهو أشبه بذراع الدول الغربية للسيطرة على الدول الأفقر.
اعترافات قاتل اقتصادي
ويستدل الجعفري، بشهادة كبير الاقتصاديين في شركة (مين) الأمريكية العابرة للقارات، جون بيركنز، مؤلف كتاب (اعترافات قاتل اقتصادي)، الذي نُشر في عام 2004م وتُرجم لثلاثون لغة منها العربية، الذي كشف فيه عن منظومة العمل داخل صندوق النقد الدولي وأكد أنه أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على الدول، مشيرًا إلى ما اسماه بـ(قتلة الاقتصاد) والذين تكون مهمتهم إقناع الدول بأخذ قروض دولية ضخمة بفوائد مركبة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية والأمريكية لتمويل مشاريع اقتصادية وفقًا لتقارير وتقديرات اقتصادية مُبالغ فيها عن معدلات النمو المتوقعة؛ إذ يتم إغواء السياسيين بمنافع شخصية للموافقة على تلك القروض الضخمة المشروطة بأن تذهب إلى الشركات الأمريكية لإقامة مشاريع للبنية التحتية لا تخدم إلا فئات محدودة وتؤدي لزيادة فقر الكثيرين لأنها تدمر بيئتهم واقتصادهم المحلي وتفقدهم شبكة الرعاية الاجتماعية.
الوصاية والسيطرة
وعندما تعجز الدول عن الوفاء بالديون كما هو متوقع ومقصود تصبح تحت الوصاية والسيطرة فتباع الموارد الطبيعية للدولة بأسعار زهيدة، وتحوّل ميزانيات الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية إلى تسديد الديون فتختل الأوضاع الاجتماعية والأمنية ويظهر التمرد والاضطرابات فتكون الفرصة مضاعفة لإحكام القبضة على تلك الدول.
تراجع التصنيف الاقتصادي
يتسبب عدم الاستقرار السياسي في كثير من الأحيان، إلى تراجع الاقتصاد ومعدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى التشغيل، وزيادة الضغوط على الموازنة العامة وميزان المدفوعات، وهي أمور تدفع المستثمرين للإحجام عن الدخول في الأسواق، ومع مرور الوقت يبدأ الوضع يزداد سوءًا، ويتراجع تصنيف الدولة الاقتصادي، وتفشل في بيع المزيد من سندات الدين التي تصبح غير مغرية للمستثمرين، على الرغم من ارتفاع تكلفتها بسبب ارتفاع المخاطر.
وتجد الدولة المقترضة نفسها في مأزق كبير، يؤدي بها للوقوع في أحضان صندوق النقد الدولي، الملاذ الأخير، وفي الغالب حسب خبراء لا تنتهي العملية بشكل إيجابي، لأن الإصلاحات التي يشترطها الصندوق مؤلمة لدرجة أنها تزيد من نسبة الفقر، وتضطر الدول للمزيد من الخفض من أجل تسديد فوائد الصندوق المتراكمة، حتى وأن شهدت المؤشرات الكلية للاقتصاد تحسنًا ملحوظًا.
رغبة حكومية
ففي الأردن تسببت رغبة الحكومة في تطبيق إصلاحات جذرية اشترطها الصندوق في خروج مسيرات احتجاجية واضطرابات شعبية واسعة، خرجت للاعتراض على رغبة الحكومة الرامية إلى رفع أسعار الوقود والطاقة ومشروع قانون ضريبة الدخل المعدل.
وكانت الحكومة الأردنية، قد حصلت في عام 2016م على قرض بقيمة 723 مليون دولار من الصندوق لدعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وفي المقابل طلب منها الصندوق إلغاء الدعم ورفع الضرائب من أجل استيفاء شروط الحصول على قروض أخرى مستقبلاً، ونتيجة لذلك تضاعف سعر الخبز تقريبًا في البلاد التي تعاني من أزمات مالية خانقة بعد رفع الدعم عن المواد الأساسية في صناعته، وارتفع مُعدل الباطلة العام التالي، كما رفعت الحكومة الضريبة على القيمة المضافة لعدد من السلع والمنتجات من بينها التبغ ومشتقاته.
إملاءات الصندوق
غير أنه ونتيجة لإملاءات الصندوق ارتفعت أسعار الوقود خمس مرات منذ بداية تطبيق الاصلاحات، أما أسعار الكهرباء فزادت بما نسبته %55 وارتفع معدل البطالة لـ%18.5 وبات %20 من السكان على حافة الفقر.
وتعتبر مقترحات شروط صندوق النقد الدولي التي فرضها على الأردن، جزء من خطة معتادة يفرضها على كل الدول التي تقترض منه، يبدأ الصندوق مفاوضاته للإقراض باشتراط مباشر أن تعمل الدولة طالبة القرض على تقليل معدلات الدعم، من خلال تخفيض دعم أسعار السلع الأساسية، وهو ما يؤدي مباشرة إلى عجز الفقراء ومحدودي الدخل عن الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية، ما يوسع دائرة الفقر ووجود أعداد كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر العام في الدولة، ورغم ذلك تراه الدول بالشر الذي لابد منه.
شهادة ملاءمة مالية
هكذا يصوره أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة الأردن الدكتور منير الحمارنة، بأنه لا بديل للدول الفقيرة سوى اللجوء له، لأن موافقته على تقديم القروض للدول، يُمثل شهادة ملاءمة مالية لها ويمكّنها من الحصول على قروض من دول أخرى.
فصندوق النقد بحسب الحمارنة، هو مؤسسة تتبع المراكز الرأسمالية الكبيرة في الأساس، أنشئ بغرض تثبيت أسعار العملات فيما بينها، والآن تحوّل لأن يكون الأداة الرئيسة لبحث ديون الدول النامية، فهو يضع دائمًا سياسة تقشفية، ويهتم بالأمور المالية دون الاقتصادية، وبالتالي هو لا يهتم بأوضاع مواطني تلك الدول، المهم بالنسبة له أن تكون الديون التي تُقدم قابلة للتحصيل، بغض النظر عن أثر الإصلاحات التي يفرضها على السكان، ومن هذا المنطق فهو يوسع الفقر وحاجة السكان والبطالة ولا يساعد في حلولها.
البلد الوحيد
ويستشهد الحمارنة بتجربة النمور الآسيوية، التي أفلست عدا ماليزيا، لأن مهاتير محمد رفض شروط الصندوق، فكانت ماليزيا البلد الوحيد التي أفلتت من أزمة التسعينيات، بينما بعض دول شرق آسيا لاتزال تعاني من أثار تلك الأزمة، مؤكدًا أنه لا حل آخر للدول المحتاجة، فهي تلجأ له لسبب مهم وهو أنها دول تعاني من تبعات اقتصادية قاسية، تفرض عليها أن تلجأ للقروض أو أنها دول وصلت إلى مرحلة لا يمكنها أن تحصل على قروض من الدول الأخرى، إلا بموافقة الصندوق لأنه هو من سيضمن ديون تلك الدول لدى الدول المانحة، فهو يقدم لها شهادة حسن موائمة مالية.
دور مؤثر
من جانب آخر، يعتقد خبراء ماليون أن الصندوق يسعى جاهدًا لتجنيب الدول الفقيرة مصيرًا أسواء، وأن الصندوق يقوم بدور مؤثر في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية للبلدان الأعضاء، وإن كان لتوصياته وتوجيهاته في بعض الأحيان آثارًا مباشرة على الواقع المعيشي للسكان خاصة الفئات الاجتماعية محدودة الدخل والفقيرة ولكنه ضرر لابد منه.
نظرية المؤامرة
وهو ما يؤكده، رئيس مجلس إدارة تيم ون للاستشارات المالية والشريك المؤسس السابق في مكتب آرنست ويونغ في الشرق الأوسط الدكتور عبدالله باعشن أن نظرية المؤامرة تلاحق الصندوق منذ فترة بشكل غير مُنصف، متسائلاً كيف يكون الصندوق متآمر على الدول، وكل دول العالم مشتركة فيه؟، قائلاً: قد تكون سياسات الصندوق المالية تختلف عن الذي نعتاد عليه، لا أحد يريد أن يذهب للطبيب، ولكنه مضطر لذلك.
السياسات المالية
وأوضح باعشن، على أن الصندوق لا يتدخل إلا في السياسات المالية فقط، فعندما تكون هناك دولة تعاني من مشاكل في سياستها المالية وديونها مرتفعة، فهو يقدم لها نماذج مالية لكي تستطيع أن ترفع من ملاءمتها المالية حتى تتمكن من الحصول على قروض جديدة، ويكون اقتصادها أكثر إنتاجية وليس فاسدًا ومهدرًا، وربما هناك ممارسات خاطئة ولكنها ليست مسؤولية الصندوق بل الدول التي سنت هذه الممارسات، لافتًا إلى أن الصندوق يقدم نصائحه للدول غير المقترضة ولكنها غير إلزامية في حين تكون إلزامية للدول التي تحتاج إلى الاقتراض.
مساعدات غير ملزمة
وكان الصندوق، قد بدأ مؤخرًا في تقديم نصائح اقتصادية للدول التي لا تحتاج لقروضه، على شكل مساعدات فنية غير ملزمة، بيد أنها لم تخرج عن النهج الذي ينتهجه القائمون عليه، والذين يصرون على فتح الأسواق، ورفع الدعم بمختلف صوره، وفرض المزيد من الضرائب، معتبرين أن هذه الحلول هي ما ستدفع الدول نحو اقتصاد أقوى.
ولكن هل برامج الصندوق حتمية ومبررة بشكل عام، الإجابة هي لا، خاصة عندما تكون الدولة قادرة على احتواء ما تواجهه من أزمات مالية، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة لتتخطى الأزمة المالية العالمية عام 2008م، من خلال اتباع سياسة اقتصادية توسعية، وليست انكماشية، وهذا أيضًا ما تقوم به السعودية من خلال رؤية المملكة 2030م.
إجراءات متوسطة المدى
ففي يوليو 2021م اقترح صندوق النقد على المالية السعودية خفض قيمة فاتورة أجور موظفي الحكومة والدعم، مع اتخاذ خطوات لحماية الأسر الأقل دخلاً، مؤيدًا إجراءات متوسطة المدى لضبط الأوضاع المالية، وعدل الصندوق في تقريره الرسمي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي خلال العام الحالي إلى %2.4 مقابل %2.1 وفقًا للتوقعات السابقة في ظل تعافي الاقتصاد تدريجيًا من التراجع الذي سجله خلال العام الماضي.
في عام 2018م طالبت كريستيان لاجارد، مديرة صندوق النقد للدول العربية في مؤتمر عقد في المغرب، دول الخليج بتوسيع نظام الضرائب عبر فرض ضرائب على دخول الأفراد والشركات، مضيفة في كلمتها في اجتماعات صندوق النقد العربي المنعقدة في دبي ضرورة أن تُخفض الدول العربية من رواتب موظفي القطاع العام، إضافة إلى زيادة أكبر في أسعار الطاقة وإزالة كل أساليب الدعم الحكومي المقدم لها.
المملكة والنموذج الأمريكي
وقد جاءت هذه النصائح في الوقت الذي قامت به الدول الخليجية بإعادة هيكلة اقتصاداتها، وفرض معظمها ضريبة القيمة المضافة، وترشيد الإنفاق وفرض إجراءات تقشف أثرت في الطلب المحلي على السلع والخدمات نتيجة انكماش الإنفاق الحكومي، وتأثيره، والانخفاض الذي طرأ على إنتاج النفط، على معدلات النمو الاقتصادي في دول الخليج، وانكمش تبعًا لذلك نمو القطاع الخاص.
ولكن رفضت المالية السعودية أكثر من مرة توصيات طرحها الصندوق، مفضلة الاعتماد على النموذج الأمريكي، فيقول الشماس إن الصندوق قدم العديد من التوصيات والنصائح للسعودية لتحسين الوضع المالي والذي يعزز حقيقة وأهمية الهاجس الذي يؤرق السعودية حكومةً وشعبًا تجاه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل والتي طرحت من أجله رؤية 2030م التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتمست الحكومة السعودية الخطر ورسمت الأهداف ووضعت الخطوات وبدأ العمل عليها وتتلقى الثناء من الصندوق لما يلمسه من تحول حقيقي تحت الإنجاز للوصول الى المستهدفات.