نافذة

نِقاَشُ الرسوم والمخالفات

في ظاهرة صحية تعطي ملمحًا حضاريًا عن البيئة السعودية للأعمال تزايد النقاش حول مسائل تخص المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، جاء في مقدمتها الرسوم التي تدفعها وحجم وكمية المخالفات وقيمتها وتأثير ذلك على مسيرتها التي قد تنتهي بالإغلاق الذي بدوره كان محل نقاش حول آلية تنفيذه.

النقاش جاء من جميع الأطراف تقريبًا، وشارك فيه الإعلام، والإعلام الاجتماعي، وأصحاب الشأن، وتفاعلت جهة أو جهتان ببعض الإيضاحات وهو سيستمر حتى الوصول إلى حلول معقولة أو منطقية تساعد الطرفين، الجهات الحكومية والهيئات المعنية، وأصحاب هذه الأعمال.

وكالعادة في أي قضية يذهب البعض بعيدًا في أفكاره أو افتراضاته، فمثلاً توهم البعض أو أدعى أن هناك “اتجاهًا” لتقليص هذه المنشآت والتركيز على منشآت كُبرى وعملاقة أسوة بدول أخرى جل اقتصادها مرتبط بمجموعة شركات تغطي كثيرًا من المجالات، وهذا كلام مردود يثبت عدم صحته واقع الحال.

واقع الحال، أن الحكومة ركزت كثيرًا على قطاع المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، فهي خصصت لها هيئة مستقلة، وبرامج كثيرة، وجعلت من بنك التنمية الاجتماعية جزءًا من منظومة تمويلها ومساعدتها، ولعلنا نستحضر بفخر وامتنان ما تم خلال الجائحة من إعفاءات وتأجيلات لاستحقاقات لجهات التمويل بقرار حكومي حكيم تم تنفيذه عبر البنك المركزي السعودي والبنوك السعودية، وتم تمديده أكثر من مرة.

واقع الحال أيضًا، أن نموذج بضعة شركات عملاقة الذي نجح في بعض الدول صغيرة الحكم كبيرة التأثير _ كوريا الجنوبية على سبيل المثال _ لا يتناسب وطبيعة المملكة من حيث حجمها وتنوع امكانياتها وطبيعة مجتمعها.

القضية قائمة، والنقاش مستمر، وربما يطول لكن المؤكد أن ثمة فكرتين اساسيتين يجب التركيز عليهما من وجهة نظري، الأولى: أن الحكومة تريد لهذا القطاع النجاح والنمو بعدة شروط أهمها أن يتحقق ذلك على يد أبناء الوطن كملاك ومشغلين وموظفين لأنه الغرض الأساس من هذه المنشآت، وهي أيضًا تريد أن يكون نشوء ونمو هذه المنشآت على أسس صحيحة بعد مراحل اتسمت بعدة سلبيات يجري بجدية وعزم محاولة القضاء عليها وفي مقدمها التستر.

والفكرة الثانية: أنه يجب الاعتراف أن قيمة بعض غرامات المخالفات، وبعض الرسوم مرتفعة خاصة عند الحديث عن مشاريع فردية وصغيرة أصحابها قليلو الخبرة، فنحن نعرف أن هذا القطاع كان في أغلبه مملوكا عن طريق التستر لغير السعوديين الذين شكلوا شريحة أكثر خبرة وممارسة وربما نجحوا في فترة ما في “اختراع” أساليب التَّنصل من النِّظام الذي لم يكن دقيقًا وصارمًا في مرحلة ما.

احسب أن الغرامات والرسوم يجب أن تبقى لفرض النِّظام، ولكني أتمنى أن يُعاد النَّظر في قيمتها وحجمها لمحاولة التَّوازن بين تأثيراتها على المنشأة، وتأثير المخالفات على بيئة الأعمال أو المجتمع أو سلامته أو حماية المستهلك.

أيضًا بدا واضحًا من خلال القصص المتداولة، والتصريحات المنشورة أن هناك حاجة إلى توعية أكثر للمفتشين والمفتشات، توعية بأن ما يفعلون ليس غرضه الجباية بقدر ما هو الحماية، وفرض الأنظمة، وهذا يحتاج إلى بعض التفهم والمرونة دون الاخلال بالأنظمة الأساس.

إحدى أهم مميزات الرؤية، التي وضعها صانع المستقبل ومحقق الأحلام _ بإذن الله _ ولي العهد الأمين، الأمير محمد بن سلمان، هي المراجعة الدورية لكل شيء، بغرض التقييم ثم التَّحسين، وسد الثغرات أن وجدت، وأتوقع أن هذا الملف اليوم سيناله التَّقييم للوصول إلى ما يحقق أهداف الجميع.

بقي أن أُشير إلى العامل الثقافي الاجتماعي فالشباب والشابات الذين ينشؤون المشاريع الصغيرة أو يديرونها أو يعملون فيها كموظفين هم نتاج ثقافة سادت فترة طويلة في إنشاء وإدارة المحلات والمتاجر، وفي تعامل من يعمل فيها مع النظام، وهذا لا يعني الرجوع إليها، لكنه ربما يعني أن الوقت كفيل بترسيخ الثقافة الجديدة، وأن الأنظمة الصارمة ستسرع ذلك، لكنها يجب أن تنتبه أكثر إلى من يطبقون هذه الأنظمة بمزيد من التدريب والتوعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.