يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من واقع المعايير الاقتصادية بمعدلات تضخم مرتفعة ومعدلات فوائد منخفضة مع استسلام البنوك المركزية العالمية أمام عدم قدرتها لإحداث تغيير فعلي في مجرى هذا التيار الاقتصادي القادم.
الاقتصادات الناشئة بدورها تحاول جاهدة دعم اقتصاداتها المحلية من خلال تحفيز نمو الإنتاج الصناعي والخدماتي والحصول على إيرادات من خلال التصدير والحصول على العملات العالمية الصعبة لدعم عملاتها المحلية. وما بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة يتعاظم الطلب على موارد الطاقة لتحفيز النمو في ظل تهديدات جدية لمنظومة أمن الطاقة العالمية.
الموارد الهيدروكربونية الرئيسية الثلاثة الفحم الحجري والنفط والغاز تشكل أكثر من %93 من مزيج الطاقة العالمي، والطلب على هذه الموارد الهيدروكربونية أخذ وتيرة متنامية مع خروج الاقتصاد العالمي من مرحلة الجائحة.
هذا التنامي في الطلب صاحبه تنامي في المخاطر المحيطة بأمن الطاقة العالمية، ولكن هذا الخطر المحيط بأمن الطاقة مختلف عن الحقبات السابقة التي كانت مخاطر النفاذية إلى الحقول النفطية ومخاطر الاستثمارات، حيث أن المخاطر هذه المرة ترتبط بالسياسات العالمية لخفض الانبعاثات، والسياسات العالمية المالية لتمويل مشاريع الموارد الهيدروكربونية، وأخيرًا السياسات الغربية المتخذة ضد روسيا والنزاع الروسي الأوروبي.
سلاسل الإمدادات العالمية المنهكة بعد الجائحة تبدو موعودة بمزيد من المتاعب خلال الفترة القادمة، مع نية أوروبا فرض حظر على الإمدادات الروسية إلى أوروبا. وبينما قد تستفيد الشركات النفطية في العالم من الارتفاعات السعرية الحالية، إلا أن مشهد الطاقة العالمي متخوف بشكل كبير من أي اضطرابات قادمة قد تمس صناعة الطاقة بمزيد من المخاطر.
وبينما يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من واقع التضخم تتكون مجالات سعرية مرتفعة لموارد الطاقة، تحمل معها متاعب في تكلفة النقل بشتى أنواعه، والبتروكيماويات الأساسية والأسمدة التصنيعية، وهو ما سيتغلغل بشكل كبير في تكلفة الغذاء والدواء، كما سيضيف متاعب أخرى لصناع السياسات العالمية للطاقة. في هذه المرحلة تتجلى العلاقة المباشرة بين أمن الطاقة وأمن الغذاء العالمي، بل نشهد حاليًا عشرات الدول التي تشهد اضطرابات اجتماعية وسخطا شعبيا تجاه لقمة العيش.
السياسات العالمية تجاه الموارد الهيدروكربونية لا تعكس الواقع الحالي في الاعتماد الكبير على هذه المواد لتحقيق النمو الاقتصادي في شتى الأسواق العالمية، ولاتزال السياسات العالمية بعيدة عن ربط ارتفاع أسعار الطاقة بالمسببات الحقيقية، وخلق حلول واقعية لدفع عجلة صناعة الطاقة لتحقيق الأمن الاقتصادي. التباعد الكبير بين خطاب سياسات الطاقة العالمية ونداءات الأسواق العالمية لمزيد من موارد الطاقة لا يخدم المستهلك في الأسواق.