سحابي كرييتڤ

صعود المطاعم السحابية

الطلب المتزايد على تطبيقات توصيل الطعام، لعب دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل صناعة المطاعم في الولايات المتحدة التي تقدر بنحو 863 مليار دولار

قُدّرت قيمة صناعة المطابخ السحابية في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 3 مليارات دولار نهاية عام2021م، وأنها تتركز بشكل أكبر في المملكة ومن ثم الإمارات والكويت وقطر

لجأ العديد من أصحاب العلامات التجارية إلى النموذج الهجين، والذي تتوفر فيه مساحة كافية لاستقبال الزوار ومطبخ سحابي لإعداد الطعام

 

في سنوات ما بعد أزمة الركود التي تعرضت إليها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008م وامتدت إلى العديد من دول العالم وصُنفت بالأشد منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، لم تكن المطاعم بخاصة الراقية أو باهظة الثمن تعمل بشكل جيّد وكثير منها أغلق أبوابه أمام زبائنه.

وقدمت الشركات الناشئة العديد من الأفكار الابتكارية للتخفيف من أثر الركود على هذه المطاعم؛ فظهرت شاحنات الطعام المتحركة لتكون قريبة أكثر من العملاء، وكذلك المطابخ السحابية أو مطابخ الشبح أو المعتمة، وذلك بأن يستأجر أصحاب سلاسل الطعام والمطاعم والطهاة مطابخ مُخصصة لإعداد الوجبات وتوصيلها عند الطلب باستخدام المكالمات الهاتفية أو الرسائل.

 

بشكل مبُسط تُشير المطابخ السحابية (Cloud Kitchen) إلى تلك الأماكن المُخصصة لإعداد وتجهيز الطعام، دون التعامل المباشر مع العملاء والزبائن، حيث يتم توصيل منتجاتها عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية، ومع تجربة الإغلاق التي مر بها العالم خلال جائحة كورونا نشطت بشدة هذه المطابخ التي أصبحت ظاهرة واسعة الانتشار في مختلف دول العالم والحل السحري لاستمرار نشاط المطاعم، عبر الاستغلال الأمثل للتطبيقات التقنية الحديثة، والتزايد الهائل في أعداد مستخدمي الهواتف الذكية في العالم.

النموذج الهجين

وقد منحت المطابخ السحابية الفرصة لهواة تناول الطعام من الخارج أو عشاق الوجبات السريعة، للجلوس على الأريكة ومشاهدة أفلامهم أو مسلسلاتهم المُفضلة، والحصول على تجربة طعام مثيرة ومميزة، وما عليهم سوى الدخول على أحد تطبيقات الهواتف الذكية، وطلب ما تشتهيه أنفسهم، بضغطة زر، ليصلهم الطعام في غضون دقائق، دون تحملهم عناء الذهاب إلى المطاعم التقليدية والانتظار طويلاً للحصول على طعامهم المُفضل.

ويظهر من ذلك، أن هذه المطابخ ليست بحاجة إلى إنفاق أموال طائلة في تجهيز أماكن استقبال وخدمة العملاء أو توظيف العناصر البشرية اللازمة لهذه المهمة، مثل المطاعم التقليدية، هي فقط بحاجة إلى طهاة ذوي قدرة على تلبية الطلبات الواردة إليهم بسرعة وكفاءة.

وتتنوع ملامح المطابخ السحابية، والتي تبلـــــغ مساحتـــــها في المتـــوســــــط بين 110-170 مترًا مربعًا، وتستوعب 6-10 علامات تجارية مختلفة في آن واحد، كما لجأ العديد من أصحاب العلامات التجارية إلى النموذج الهجين، والذي تتوفر فيه مساحة كافية لاستقبال الزوار ومطبخ سحابي لإعداد الطعام.

سطوع الفكرة

ومع التطور الهائل الذي شهدته خلال العامين الماضيين، تستخدم المطابخ السحابية التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، في تحليل البيانات وأذواق المستهلكين، لتقديم تجربة فريدة للعملاء، وفي نفس الوقت الاستغلال الأمثل للموارد لزيادة الإيرادات وتقليل النفقات.

وإذا كان اختيار الموقع أحد أهم أسباب نجاح المطاعم التقليدية، فضلاً عن اختيار الديكورات الفخمة، تتميز المطابخ السحابية بأنها أقل بكثير من حيث التكلفة التشغيلية، وهو ما ساهم بدوره في انتشارها بشكلٍ كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث لعب الطلب المتزايد على تطبيقات توصيل الطعام، دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل صناعة المطاعم في الولايات المتحدة التي تقدر بنحو 863 مليار دولار.

ورغم هذه الإيجابيات، التي ساهمت في سطوع الفكرة وانتشارها بالشكل المذهل التي نراه اليوم، إلا أن الأمر لا يخلو من وجود بعض السلبيات، ولعل أبرزها غياب التفاعل مع الجمهور، والاعتماد بشكل أساسي على تطبيقات توصيل الطعام، التي تشهد منافسة قوية بين الشركات التي تدير مطابخ سحابية، لذا فإن الدخول إلى هذا العالم، رغم مغرياته، ليس سهلاً كما يعتقد البعض من أصحاب رؤوس الأموال المحدودة.

شهية المستثمرين

ويشير الخبراء إلى أن المطابخ السحابية فرصة واعدة للاستثمار، حيث أثارت شهية المستثمرين والشركات والصناديق السيادية في شتى دول العالم، التي دخلت بقوة وقامت بضخ استثمارات ضخمة في الشركات الناشئة المتخصصة في خدمات توصيل الطعام وإدارة وتشغيل هذا النوع من المطابخ.

وقدّرت بعض الاحصاءات، سوق المطابخ السحابية بنحو 29.4 مليار دولار عام 2020م، متوقعةً أن يحقق معدل نمو سنوي في حدود %13.1 حتى عام 2030م، وأرجعت السبب إلى سهولة الوصول لشبكة الإنترنت، وزيادة استخدام الهواتف الذكية (مثلاً، تشير تقارير متنوعة إلى أن 50 – %60 من مستخدمي الهواتف الذكية حول العالم يستخدمون التطبيقات الخاصة بطلب الطعام)، وهو ما جعل تجربة الطعام آون لاين تتم بشكل أسهل، فضلاً عن العروض المغرية التي تقدمها هذه التطبيقات، ورغبة المستهلكين في تنويع طعامهم اليومي.

نمو متسارع

ورغم أن المطابخ السحابية تسيطر على صناعة الطعام في الهند، إلا أنها ليست بفكرة جديدة على الشعب الهندي، فهي معروفة منذ عقود، لكنها وجدت موطئ قدم قوي خلال جائحة كورونا، وأصبحت نموذجًا تجاريًا ناجحًا، حيث يوجد أكثر من 3500 مطبخ سحابي في البلاد حاليًا يقوم بإعداد وتجهيز نحو 1.5 مليون وجبة يوميًا، وثمة توقعات بأن يتضاعف قيمة سوق توصيل الطعام في الهند إلى 13 مليار دولار بحلول عام 2025م.

ولم تكن الدول الخليجية بمنأى عن الانتشار الذي يشهده سوق المطابخ السحابية في مختلف دول العالم؛ إذ قُدّرت قيمة صناعة المطابخ السحابية في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 3 مليارات دولار نهاية عام 2021م، وأنها تتركز بشكل أكبر في المملكة ومن ثم الإمارات والكويت وقطر، وثمة مؤشرات بأن ينمو سوق المطابخ السحابية بوتيرة متسارعة في المملكة، نظرًا لما تشهده المطابخ في الوقت الحالي من منافسة قوية بين الشركات الناشئة ومنصات المطابخ السحابية.

وتتسابق شركات إدارة وتشغيل المطابخ السحابية للدخول إلى السوق المصري، للاستفادة من الفرص الواعدة المدفوعة بالتعداد السكاني الكبير، وارتفاع الطلب على تناول الطعام عبر التطبيقات الإلكترونية، حيث تشير التوقعات إلى أن حجم السوق سيصل إلى 120 مليون دولار بنهاية 2023م بمعدل نمو سنوي في حدود %13.5.

منصات التوصيل

وفي هذا السياق، يقول مؤسس لأحد المطابخ السحابية، بول فرانجي، إن منصات توصيل الطعام شهدت تطورًا ملفتًا خلال السنوات الماضية، فلم تعد تقتصر على قوائم الطعام وخدمات التوصيل، بل أصبحت منصات تسويقية للمطاعم والمطابخ السحابية، وأشار إلى أن هذه المطابخ اجتذبت الكثير من رجال الأعمال من أجل كسب جني الأموال، لكن الفهم الجيد لقطاع الأغذية يساعدها في الاستمرار والانتشار.

ورغم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها العالم حاليًا، والتي تظهر بوضوح في معاناة معظم الدول من ارتفاع معدلات التضخم، وضعف سلاسل الإمداد والتجارة الدولية، قد تلقي بظلالها على قطاع الأغذية والمشروبات بوجه عام والمطابخ السحابية على وجه الخصوص، إلا أنه مازال أمام الشركات الناشئة وأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة فرصة مثالية للاستثمار في صناعة عالمية من المتوقع أن تصل قيمتها إلى نحو 71.4 مليار دولار بحلول 2027م.