اقتصاديات صناعة

صناعة تتجدد

توقعات بأن يصل حجم سوق الإطارات عالميًا إلى 380 مليار دولار عام2027م، وتنافس محموم بين الشركات للهيمنة على السوق وابتكار أنواع جديدة

800 مليون دولار فاتورة الاستيراد السنوية في المملكة وخطوات رائدة لتوطين الصناعة وأن تصبح مركزا إقليميا لصناعة إطارات السيارات

 

إنها صناعة الأمس واليوم والغد، يرتبط تطورها بتطوّر صناعة النقل، وتعد من أهم أجزاء السيّارة إن لم يكن أهمها على الإطلاق، فعن طريقها يتم تنقل السيارة وحمل الأثقال وتوجيهها وإيقافها؛ إنها الإطارات التي يعود اختراعها إلى الأسكتلندي جون بويد دنلوب، الملقب بالأب الروحي للإطار الحديث، وارتكز تطوّرها بعد ظهور الإطار المطاطي بدون أنبوب عام 1955م، على تحسين الكفاءة والأداء، فأصبحت صناعتها اليوم في إطار المنافسة القوية بين كبرى الشركات المصنعة تشهد تقدمًا كبيرًا وأفكارا ابتكارية سواء في صناعتها أو إعادة تدويرها.

ويمكن القول بأن صناعة الإطارات بلغت درجة ملحوظة من التقدم، وبلغ حجم الإنتاج العالمي نحو 2.3 مليار وحدة عام 2022م، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.7 مليار وحدة بحلول 2028م وثمة مؤشرات بأن تحقق السوق العالمية للإطارات معدل نمو في حدود %2.8، وسط هيمنة كبيرة من عدة شركات عالمية، أبرزها شركة “ميشلان” الفرنسية، “بريدجستون” اليابانية، “كونتننتال أيه جي” الألمانية، “جوديير” الأمريكية، “سوميتومو” اليابانية، “بيريللي” الإيطالية، “هانكوك” الكورية.

وتتوقع بعض الدراسات أن تبلغ قيمة سوق الإطارات حوالي 380 مليار دولار بحلول عام 2027م بمعدل نمو سنوي مركّب في حدود %6.7، مدفوعًا بارتفاع الطلب العالمي على السيارات والتوسع في صناعة السيارات ذاتها، لافتةً إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ قادت صناعة الإطارات بأكثر من مليار وحدة في عام 2021م حيث تستحوذ الصين وحدها على %40 من سوق الإطارات في هذه المنطقة. وأما سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن عددا من الدراسات تتوقع أن تحقق أعلى معدل نمو سنوي بنسبة تقترب من %10، ليصل إلى حوالي 27 مليار دولار.

ارتفاع الطلب

وضمن هذا الصدد تشير الدراسات إلى أن نمو التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت في العالم قد ساهم في ارتفاع الطلب على شاحنات توصيل الطلبات والمركبات التجارية، بنسبة %14، خاصة وأن ثمة تنافسا شديدا بين الشركات المصنعة لابتكار أنواع جديدة يطلق عليها “الإطارات الذكية”، التي تراعي معايير السلامة البيئية، كما أنّها مزودة بأنظمة لمراقبة حالة الإطارات والتحكم في درجة الحرارة والضغط داخلها، وتستخدم إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، لمراقبة جودة وصلاحية الإطارات، بما يساهم في خفض تكلفة الصيانة الدورية وإطالة عمرها الافتراضي.

وكانت عدة شركات، قد أعلنت ـ في الآونة الأخيرة ـ عن نوع جديد من الإطارات يطلق عليه “الإطارات المتقدمة أو المبتكرة”، والتي تتميز بالأداء القوي المناسب بشكل أكبر للسيارات الفاخرة، حيث بلغ حجم هذا النوع المتطور من الإطارات 306 ملايين دولار في 2022م مع توقعات بأن يصل إلى 1.1 مليار دولار في 2030م بمعدل نمو سنوي مركب %18، واعتبرتها تقارير ثورة في عالم صناعة الإطارات، حيث إنها مقاومة للثقوب، وتحقق تجربة قيادة مريحة، مع انخفاض ملحوظ في استهلاك الوقود.

ورغم ذلك، تواجه صناعة إطارات المركبات في العالم تحديات في الوقت الراهن، خاصة في ظل الظروف الدولية الحالية، تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الطاقة، وضعف سلاسل إمداد وتوريد المواد الخام، وهو ما يؤدي إلى عرض منتجاتها بأسعار أعلى، مقارنةً بأسعار المنتجات المصنّعة في  بعض المناطق مثل منطقة الشرق الأوسط، حيث انخفاض تكاليف الإنتاج والعمالة، وهو ما يخلق ميزة تنافسية للمنتجات المحلية، ووفقًا لدراسة جدوى نشرتها إحدى هيئات استثمار الدول العربية حول نشاط تصنيع إطارات السيارات، وفيها أظهرت أن إقامة مصنع صغير على مساحة 20 ألف متر مربع، يعمل فيه 50 عاملا وإداريا، تصل تكلفته الاستثمارية إلى 12 مليون دولار، وتبلغ تكلفته السنوية 8.5 مليون دولار، بمعدل عائد على الاستثمار في حدود %29، وفترة استرداد لرأس المال تقدر بنحو 2.8 سنة، وهو بذلك يمثل فرصة ذهبية لصغار المستثمرين للدخول إلى عالم صناعة الإطارات.

فاتورة الاستيراد

وحسب تقديرات، فقد بلغت مبيعات السيارات عالميًا 80 مليون سيارة عام 2021م وأن هذا الرقم مرشح للزيادة إلى 100 مليون سيارة بحلول عام 2025م وفي منطقة الشرق الأوسط، تصدرت المملكة قائمة مبيعات السيارات بحوالي مليون سيارة، بنسبة %40 من مبيعات السيارات في المنطقة، وما يتبع ذلك من ارتفاع الطلب على الإطارات بأنواعها المختلفة.

ويبلغ حجم سوق الإطارات في المملكة بحسب أخر إحصاءات عام2022م نحو 22.2 مليون وحدة، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 25 مليون وحدة بحلول 2028م بمعدل نمو سنوي %2.1 خلال الفترة (2023م – 2028م)، وهو ما يشير إلى الطلب المتنامي على السيارات، ما دفع العديد من شركات تصنيع الإطارات الإقليمية إلى الدخول في شراكات وتحالفات استراتيجية مع شركات دولية لتوسيع محفظة منتجاتها في المملكة.

وأمام فاتورة استيراد الإطارات في المملكة والتي تُقدر بحوالي 800 مليون دولار، بدأ العمل على جذب استثمارات ضخمة في هذه الصناعة، واتخذت حكومة المملكة خطوات رائدة في مجال توطينها، كإعلان الهيئة الملكية في ينبع منتصف العام الماضي، عن توقيع اتفاقية استثمارية، لإنشاء وتشغيل مصنع لإنتاج الإطارات بأنواعها المختلفة، باستثمارات تبلغ 1.1 مليار دولار، بمنطقة الصناعات الخفيفة بمدينة ينبع الصناعية، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في مرحلته الأولى عام 2025م وبطاقة إنتاجية 5 ملايين إطار سنويًا، حسب أحدث التقنيات العالمية، وهو ما سيوفر 1200 فرصة عمل، فضلاً عن اعتماده على %70 من المواد الخام المحلية.

كما أعلنت شركة السهم الأسود (بلاتكو) لصناعة الإطارات، عن إنشاء مصنع لها في مدينة ينبع الصناعية، بالتعاون مع شركة “كومهو” الكورية الجنوبية، بتكلفة تصل إلى 1.4 مليار يورو، لإنتاج 15 مليون وحدة سنويًا، على أن تبدأ أعمال البناء في الربع الثاني من عام 2024م، وأصبحت المملكة قبلة الباحثين عن الدعم والحوافز الاستثمارية الممنوحة للمشروعات الصناعية، حيث أعلنت شركة “بيراميدز” المصرية، عن البدء في إنشاء أول مجمع صناعي لصناعة الإطارات في المملكة، على مساحة 350 ألف متر مربع، ومن المتوقع الانتهاء من الإنشاء وبدء الإنتاج مطلع عام 2025م.

إنشاء تخصصات

ويعد توافر المواد الخام اللازمة لصناعة إطارات السيارات أحد أهم العوامل التي تجعل هذه الصناعة جاذبة للاستثمارات في المملكة، ما يتطلب ضرورة العمل على إنشاء تخصصات في تكنولوجيا صناعة إطارات السيارات، أسوة بالدول الأوروبية، لتوفير العناصر الفنية اللازمة لدعم وتطوير هذه الصناعة، من خلال إعداد كوادر من المهندسين والكيميائيين والفنيين في مختلف التخصصات، ومراكز أبحاث لتعمل على تأهيل صناعة الاطارات وتجعلها قادرة على المنافسة.

وفي هذا السياق، أشاد الخبير الدولي في قطاع البتروكيماويات، جون فيريتي، بالخطوات التي تتخذها المملكة في تأسيس منصة استثمارية مستقرة وجاذبة في ذات الوقت، والعمل على تنويع اقتصادها والعمل على تطوير صناعات القيمة المضافة، اتساقًا مع رؤية 2030م، لافتًا إلى أن صناعة المطاط تشهد تطورًا ملموسًا، وتوفر فرصا استثمارية جديدة للمواطنين والأجانب، الذي يسعون إلى تصنيع منتجانهم بالقرب من أسواقها النهائية، وهو ما يُسهم بدوره في تطوير صناعة الإطارات.

تدوير الإطارات

ولا يقتصر الأمر فقط على الشق الصناعي، فثمة مساعٍ جادة لإعادة تدوير الإطارات باعتباره الحل الأمثل لمشكلة التخلص منها بطريقة آمنة، وفي نفس الوقت تحقيق استفادة اقتصادية منها؛ إذ يصف الخبير عمليات إعادة تدوير الإطارات بـ “الذهب الأسود”، حيث يمكن استخدامها في مجالات عدة، منها صناعة بلاط الأرضيات المطاطي والعشب الصناعي، أو كوقود لمصانع الأسمنت، وأمام ما تستهلكه المملكة من إطارات سنوية تقدر بحوالي 20 مليون إطار، أعلنت شركة “أرامكو السعودية” عن إعادة تدوير هذه الكمية الضخمة من خلال نموذج الاقتصاد الدائري للكربون، لإعادة تدوير الإطارات المستعملة إلى مطاط يعاد استخدامه في إعداد الأسفلت، وهو ما يساهم في خفض كمية الانبعاثات الصادرة عن القار (البيتومين) عند التعرض لأشعة الشمس، كما عددت الشركة المزايا المختلفة للطرق المغطاة بمطاط الأسفلت، مقارنةً بالأسفلت العادي، وأبرزها زيادة العمر الافتراضي للطرق، والحد من الضوضاء أثناء عبور المركبات.

ويمكن التأكيد على أن لدى لمملكة المقومات والامكانيات اللازمة لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة إطارات السيارات والمركبات، حيث توافر عناصر الإنتاج اللازمة، والبيئة المشجعة للاستثمار، مما يساعد على تلبية الطلب المحلي المتنامي، وتصدير الفائض إلى الأسواق العربية والأفريقية، بما يدعم الخطط الرامية إلى تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل القومي.