اقتصاديات شراكات

اتفاق التعاون والاستقرار

خطوة إعادة العلاقات بين المملكة وإيران، فضلاً عن أنها ستسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، فإنها ستحقق مكاسب اقتصادية للبلدين

تأسيس غرفة تجارية مشتركة بين المملكة وطهران سيكون خطوة مهمة تُسهم في انطلاق وتسريع معدلات التبادل التجاري بين البلدين خاصة في ظل شغف القطاع الخاص لبدء التعاملات الاقتصادية

 

بعد غياب دام طويلاً يعود الزعفران، وتعود معه جسور التجارة والاستثمار والرغبة المتبادلة بين المملكة وإيران في التقارب واستثمار المشتركات بينهما؛ ففي خطوة محورية ونقطة تحوُّل جديرة بالاهتمام أعلن البلدان استئناف العلاقات بينهما والتنسيق لإعادة افتتاح السفارات والقنصليات، ما يؤشر بأن يكون البعد الاقتصادي حاضرًا بقوة، وربما يكون هو الأقوى والأكثر نشاطًا، خاصةً في ظل رغبة الطرفين في تطوير الشراكة الاقتصادية بينهما.

وقد ظهر ذلك جليًا خلال البيان الصادر عن البلدين، والذي أكد اتفاقهما على تشجيع وتسهيل الاستثمارات المشتركة، وتبادل زيارات الوفود التجارية، فضلاً عن تفعيل الاتفاقية، التي تم توقيعها عام 1998م، وتشمل التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والتكنولوجيا، والعلوم، وغيرها من المجالات ذات الصلة.

ويأتي قرار عودة العلاقات السعودية الإيرانية ـ وفقًا لوصف وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ـ إدراكًا وإيمانًا بأن دول المنطقة يجمعها مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضروري أن يتشاركوا سويًا من أجل ازدهار واستقرار الشعوب، وهناك العديد من جوانب التقارب ومجالات التعاون، التي يمكن البناء عليها، وتُشكل منطلقًا لنمو العلاقات وتوطيد سبل التعاون بين البلدين، ففضلاً عن علاقات الجوار والعلاقات التاريخية الممتدة بينهما، فإن كلاهما أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وهما من أكبر منتجي النفط بالعالم، كما أنهما يمتلكان احتياطيًا ضخمًا من النفط والغاز الطبيعي.

مكاسب اقتصادية

ووفقًا لبيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022م، فإن المملكة التي تُعد ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، لديها احتياطي هائل يزيد عن الـ 260 مليار برميل، فيما تمتلك إيران التي تحتل المركز الثالث عالميًا حوالي 208 مليارات برميل من احتياطي النفط، ولدى كلا البلدين اقتصاد يتميز بالعديد من الإمكانيات الضحمة، فقد سجل اقتصاد المملكة عام 2022م أعلى معدل نمو له منذ نحو 11 عامًا، محققًا %8.7، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو 2.97 تريليون ريال (أي ما يعادل نحو 793.3 مليار دولار).

وعلى الجانب الآخر، فقد صنَّف صندوق النقد الدولي الاقتصاد الإيراني في المرتبة الـ 21 عالميًا، بعد أن بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي لإيران ما يقرب من 600 مليار دولار.

ودن شك فإن خطوة إعادة العلاقات، فضلاً عن أنها ستسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، فإنها ستحقق مكاسب اقتصادية للبلدين، إذ أن التعاون بين المملكة وإيران، يمكن أن يكون له دوره في استقرار أسواق النفط العالمية، خاصة أن كِلا البلدين أعضاء في (أوبك بلس) ولديهما احتياطيات نفطية ضخمة، ويمكنهما التعاون والتنسيق، فيما يتعلق بإدارة مستويات إنتاج النفط واستقرار أسعار النفط العالمية.

الأسواق الكبيرة

وقد أدت الطفرة النفطية، التي شهدتها السوق العالمية، إلى زيادة قدرة المملكة على توجيه استثمارات خارجية في العديد من الدول، وبالفعل أكد وزير المالية، محمد الجدعان، إمكانية ضخ استثمارات سعودية في إيران، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الفرص للاستثمارات في إيران، فالمملكة يمكنها الاستفادة من موقع إيران الجيوسياسي لتنشيط تجارة الترانزيت والتعاون التجاري مع الدول الواقعة شمال إيران، وعلى الجانب الآخر، فإن إيران يمكنها إقامة شراكات مع المملكة، في ظل حاجة طهران إلى الخبرة السعودية في مجال النفط، فرغم أن إيران منتج كبير للنفط، إلا أنها بسبب العقوبات تراجع فيها مستوى الكثير من مصافي إنتاج النفط، كما أن الأسواق الكبيرة في البلدين، يمكن أن تكون عاملاً دافعًا وجاذبًا للاستثمارات من الجانبين، ويُمكن لطهران أيضًا أن تستفيد من إعادة علاقاتها مع المملكة، فبجانب أنها تحتاج إلى الاستثمار في الأسواق الكبيرة كالمملكة وتصدير منتجاتها ذات الطلب العالي في، فإن خطوة عودة العلاقات تمثل خطوة محورية تنطلق منها لتحسين علاقاتها مع كافة الدول العربية وتنشيط قطاعاتها الاقتصادية وإقامة مشروعات مشتركة، ويُعيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقطاع النفط والغاز وللاقتصاد بشكلٍ عام.

غرفة تجارية مشتركة

وأن القرار الصادر بالعمل على تأسيس غرفة تجارية مشتركة بين المملكة وإيران لا شك أنه سيكون خطوة مهمة تُسهم في انطلاق وتسريع معدلات التبادل التجاري بين البلدين، خاصة في ظل شغف القطاع الخاص لبدء التعاملات الاقتصادية، وكان بالفعل القطاع الخاص الإيراني بحسب عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية كيوان كاشفي بدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المملكة والإعداد لتبادل زيارات وفود رجال الأعمال.

ورغم من أن التجارة البينية بين المملكة وإيران كانت متواضعة حتى عام 2022م، إذ تقدر بنحو 15 مليون دولار، مقارنة بقيمة التبادل التجاري بين البلدين عام 2015م حوالي 300 مليون دولار، أو حتى مقارنة بدول الجوار؛ حيث تجاوزت الصادرات الإيرانية لدول الخليج الأخرى 8.8 مليار دولار خلال العام نفسه، فإنه من المتوقع بعد قرار استئناف العلاقات أن يزداد التبادل التجاري بين البلدين في العديد من الخدمات والسلع مثل تجارة الترانزيت والبتروكيماويات والسلع الزراعية وتجارة المواد الغذائية والزعفران والسجاد والمنسوجات ومواد البناء والمواد الخام والأولية، مثل: الحديد، لتلبية احتياجات مشاريع الإنشاءات والتشييد والبناء في المملكة.

أفاق جديدة للقطاع الخاص

ويبدو أن عودة العلاقات بين المملكة وإيران يمكن أن تفتح أفاقًا جديدة أمام الشركات في الجانبين، فلو نظرنا للفرص أمام رجال الأعمال السعوديين، سنجد أن الواردات الايرانية بلغت في 2022م أكثر من 50 مليار دولار، حيث تستورد إيران حوالي ربع وارداتها من الصين وما نسبته %10.5 من تركيا و%5 من الهند و%3.2 من ألمانيا، هذا فضلاً عن الإمارات، التي وصلت صادراتها لإيران في بعض السنوات إلى أكثر من %30.

أما أبرز السلع التي تحتاجها إيران وتستوردها من الخارج فهي الحبوب، وعلى رأسها الذرة والأرز وفول الصويا، والآلات والمعدات الكهربائية، مثل أجهزة الحاسب الآلي ومكيفات الهواء، فضلاً عن الأجهزة البصرية والتقنية والطبية والأدوية، والمواد البلاستيكية وكذلك البذور الزيتية والأعلاف ونفايات الصناعات الغذائية، في حين تأتي المنتجات المعدنية على رأس السلع التي يمكن استيرادها من إيران وكذلك المعدات الأساسية والمواد الخام، ثم صناعة اللدائن والمنتجات النباتية.

ومن جانب آخر، تمتلك إيران مستودعات كبيرة من الزنك والنحاس والحديد والفضة والمنجنيز، وهو ما يجذب العديد من الشركات الدولية للاستثمار في هذه القطاعات.

أما أبرز القطاعات الاستثمارية في المملكة والتي يمكن أن تجتذب الاستثمارات الإيرانية، فأولها قطاع الصناعة، والذي بات يرتكز على المدن الصناعية بنية تحتية متكاملة ومتطورة، وخدمات عالية الجودة، وكذلك قطاع الصناعة الكيميائية، الذي يُعد أبرز سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقطاع المعادن والتعدين، وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والطاقة والمياه، والنقل، والخدمات اللوجستية، والصحة.

مبادرة الحزام والطريق

وتُعد مبادرة الحزام والطريق أو طريق الحرير، أحد أبرز المبادرات على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة، وهي مبادرة صينية لتطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في بقاع العالم المختلفة، بهدف الاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية.

وتمثل عودة العلاقات بين المملكة وإيران ركيزة استقرار لتلك المبادرة في منطقة الخليج، ويرفع من أسهم الرياض وطهران ويزيد من أهميتهما في خطط الصين، خاصة أن بكين كانت هي الراعية لعودة تلك العلاقات بين البلدين، كما تتيح تلك المبادرة، بيئة تجارية آمنة والاندماج أكبر في العلاقات الاقتصادية التجارية مع دول العالم المختلفة.

وغني عن القول، إن استئناف العلاقات السياسية والدبلوماسية والأمنية بين المملكة وإيران، يمثل أحد أهم عوامل استقرار العلاقات بين البلدين في مجالات عدة، وعلى رأسها المجالات التجارية والاقتصادية.

وقد نصّ بيان الاتفاق بين الجانبين على تنفيذ الاتفاقات ومذكرات التفاهم السابقة والموقعة بينهما ليعكس رغبة الطرفين في تسريع وتيرة التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، بدلاً من الدخول في مفاوضات جديدة لتوقيع اتفاقات بديلة.

 

التحديات والصعوبات

ورغم عزم البلدين الواضح على توطيد تلك العلاقات، إلا أنه من الواضح أن هناك بعض التحديات والصعوبات، التي يمكن أن تؤخر أو على الأقل تبطئ من خطط الدولتين لتحقيق ذلك.

ومن أبرز هذه التحديات، العقوبات المفروضة على طهران، وخاصةً فيما يتعلق بالنظام المالي في إيران وما يترتب على ذلك من صعوبات في التعاملات التجارية والمالية.

كذلك، فإن البلدين مطالبان بتنويع منتجاتهما وصادراتهما وإطلاق منتجات تعتمد على التكنولوجيا الجديدة، إذ أن تشكيل النفط لنسبة كبيرة في صادرات البلدين يقلل من مجالات التبادل التجاري بينهما باعتبارهما اقتصادين متنافسين يتشابه إنتاجهما وسلعهما.

وفي كل الأحوال، فمما لا شك فيه أن عودة هذه العلاقات يمكن أن يساعد في توفير البيئة الملائمة لنمو الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال التعاون والتنسيق بين البلدين من أجل الحد من الصراعات الإقليمية والحل السلمي للنزاعات، ومن ثم الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وكذلك دعم النمو الاقتصادي في البلدين.