رغم الأزمات العالمية المتكررة، ورغم تحديات ندرة الموارد المائية لم تواجه المملكة أي نقص في الطعام بمختلف أصنافه، ولم تشهد متاجرها تكالبًا على الشراء، ولم تفرغ أرففها من البضائع
المملكة تخطّت باستثماراتها في صناعة المنتجات الغذائية حاجز الـ 88 مليار ريال، وحقق ناتجها الزراعي ما قيمته 72 مليار ريال بنسبة ارتفاع تصل إلى %7.8 عام 2021م
المؤسسة العامة للحبوب: المملكة الأولى عربيًا في إنتاج الدواجن، بإنتاج يصل إلى 1.3 مليار دجاجة و5.4 مليار بيضة سنويًا
لم تكتفِ المملكة بما حققته محليًا في تحقيق مستهدفاتها للأمن الغذائي، وإنما توسعت خارجيًا باستثمارها فيما يزيد عن مليوني هكتار في عدد من دول العالم
دعا إليه “أرسطو” قبل الميلاد، وأكده “مينارد كينز” عام 1923م لأهميته في توفير الأمن الغذائي للسكان وتحصينهم وقت أزمات نقص إمدادات السوق الدولية أو غلاء الأسعار، وبات اليوم الاكتفاء الذاتي مسألة حيوية أمام أزمات العالم المتكررة كأزمة الغذاء عام 2008م، وكوفيد ــ 19 وما صاحبه من فرض سياسات حمائية، وتقليص حجم الصادرات، والحرب الروسية الأوكرانية، وتعطل سلاسل التوريد، والتضخم، بل بات مطلبًا ملحًا يأتي على رأس السياسات الاقتصادية للدول، بسعيها إلى وضع الاستراتيجيات وإعادة صياغة التشريعات واتخاذ الإجراءات للازمة لتحقيق الأمن الغذائي.
وفي ظل هذه الأزمات العالمية، لم تواجه المملكة ـ رغم تحديات ندرة مواردها المائية ـ أي نقص في الطعام بمختلف أصنافه، ولم تشهد متاجرها تكالبًا على الشراء، ولم تفرغ أرففها من البضائع كالكثير من دول العالم، بل استطاعت باستثماراتها في صناعة المنتجات الغذائية تخطّي حاجز الـ 88 مليار ريال، وأن يحقق ناتجها الزراعي عام 2021م ارتفاعًا قيمته 72 مليار ريال بنسبة %7.8 وأن تحتل المرتبة الثامنة عالميًا في وفرة الغذاء خلال عام 2020م بعد أن كانت في المرتبة الـ 46 في عام 2019م.
وأرجع رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة الملك سعود الدكتور يوسف عبدالرحمن العمري نجاح المملكة في مواجهة الأزمات العالمية رغم تحدياتها المائية إلى أولويات الإرادة السياسية التي تجسّدت في رؤية 2030م، وما رسخته من أسس استراتيجية للتنوع في مختلف المجالات، مؤكدًا أن خطط وزارة الزراعة حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في تأمين وتعزيز الأمن الغذائي من خلال السياسات والتشريعات والإجراءات التي اتخذتها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، قائلاً: بأن خطوات التعزيز في الاستثمارات الزراعية تمثلت في شركة “سالك” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة أو إنشاء هيئة للأمن الغذائي أو تقديم الدعم الحكومي اللازم لاستقطاب أحدث التقنيات الزراعية لمشاريع الزراعية والمتلائمة مع أجواء المملكة، فضلاً عما أطلقته من استراتيجيات عدة كالاستراتيجية الوطنية للزراعة واستراتيجية الأمن الغذائي لتعزيز الأمن الغذائي واستدامته، ما يعني قدرة المملكة على إنتاج جميع ما تحتاجه من الغذاء محليًا دون الاعتماد على الواردات الغذائية.
المعادلة صعبة
وقال العمري إن المملكة رغم كونها دولة صحراوية إلّا أنها حققت المعادلة الصعبة، باتخاذها سياسات وتشريعات للمحافظة على المياه الجوفية غير المتجددة، وخاصة في المناطق التي تحوي على كميات من تلك المياه كمنطقة الرف الرسوبي؛ إذ فرضت التشريعات على المحاصيل ذات الكثافة المائية في الاستهلاك بتلك المناطق، وقامت بالتعاون مع الجهات الأُخرى كصندوق التنمية الزراعية في اختيار المحاصيل بحسب الميزة النسبية للمناطق وتقديم الدعم الحكومي بشرط استخدام التقنيات الحديثة التي تدعم المحافظة على المياه الجوفية واستخدام التكنولوجيا لزيادة إنتاجية وحدة المساحة، وبالتالي ساهمت هذه السياسات والتشريعات في المحافظة على المياه وتعزيز الأمن الغذائي بزيادة توفر الغذاء محليًا.
وكانت المملكة في سبتمبر 2022م أطلقت بالتنسيق مع شركائها الإقليميين خطة عمل للأمن الغذائي بتمويل أولي قدره 10 مليارات دولار لمعالجة أزمة الإمدادات الغذائية العالمية، ووضعت 11 برنامجًا ضمن استراتيجيتها الخماسية للأمن الغذائي تتضمن تحقيق نظام إنتاج غذائي محلّي مستدام للسلع ذات المزايا التفضيلية عبر رفع مستويات الاكتفاء الذاتي للسلع الملائمة للنظام البيئي وتحسين الإنتاجية والممارسات المستدامة في الإنتاج المحلي، ودعم صغار المزارعين وإنماء الزراعة الريفية ودعم التطوّر المحلي لقطاع تصنيع المنتجات الغذائية الاستراتيجية، مع تقليل الفقد والهدر الغذائي.
وتنتج المملكة حاليًا بحسب ما ورد في التعداد الزراعي من الهيئة العامة للإحصاء عام 2019م، 50 نوعًا من الخضراوات الشتوية على مساحة 100.7 ألف فدان، بينما تنتج أيضًا 40 نوعًا من الخضراوات الصيفية على مساحة 80.4 ألف فدان، علاوة على 40 نوعًا في الصوَب المحمية على مساحة 150 ألف فدان في 66.529 صوبة محمية، و19 نوعًا من أزهار القطف المحمية على 380 فدانًا. (الفدّان أكثر من 4000 متر مربع).
وفي العام الماضي كشف برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف) ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي بقطاع القيمة المضافة إلى أكثر من %63 وثمة اتجاه لدعم أكثر من 63 ألف مشروع زراعي خلال العام الجاري 2023م، وبحسب تقرير البرنامج ساهمت مبادراته في توفير إمدادات غذائية محلية مستقرة من خلال زيادة الإنتاج الزراعي المحلي وتنويعه، مما أسهم في استقرار الإمدادات المحلية وحدوث استقرار نسبي في الأسعار، وتقليل التأثيرات السلبية لتقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية.
المحاصيل الاستراتيجية
وكان لمحصول القمح على وجه الخصوص أكبر جانب من جوانب الاكتفاء الذاتي، فعلى الرغم من ارتفاع استهلاك الفرد السنوي بالنصف الأول من القرن الواحد والعشرين بما نسبته %80، وزيادة استهلاك المملكة الإجمالي نتيجة للنمو السكاني الكبير الذي حدث في العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن الاكتفاء من القمح ارتفع أيضًا في تلك الفترة إلى نحو %111.2 كما حققت أيضًا اكتفاءً ذاتيًا من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية بعد أن نجحت في تحقيق نسب اكتفاء ذاتي مرتفعة في عدة قطاعات، وحققت اكتفاءً ذاتيًا وفائضًا في الإنتاج بنسبة %110 إلى %120 في العديد من المحاصيل أهمها: البطاطس والباذنجان، الخيار، الباميا، بيض المائدة والحليب الطازج إلى جانب التمور، والتي تحتل المركز الثاني في إنتاجها عالميًا.
وتستهدف خطة الوزارة التوسع في زراعة وإنتاج عدد من المحاصيل والفواكه للمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وكشف تقرير حديث للوزارة أن أبرز المحاصيل والفواكه المستهدفة في الخطة هي: الطماطم، الخيار، الورقيات، والفواكه وغيرها، في ظل ارتفاع مستوى الاستيراد من الخارج لمحصولي الطماطم والخيار.
وتعمل المملكة حاليًا على تدشين شركة زراعية عملاقة تعنى بتصنيع التمور وكافة منتجات شجر النخيل والعمل على تسويقها خارجيًا، وذلك في ظل وجود نحو 30 مليون نخلة، يبلغ إنتاجها أكثر من 1.5 مليون طن، أيضًا تقارب نسبة الاكتفاء من البطيخ %99 والبابايا %95 والقرع %94 والبطاطس %92، والطماطم %77، ومحصول البصل %52، وفي الوقت ذاته كشفت وزارة البيئة والمياه والزراعة، أن البلاد حققت اكتفاءً ذاتيًا من المانجو بنسبة بلغت %51.7، وبإنتاجٍ يتجاوز 86.4 ألف طن سنويًّا.
ألبان وطنية
وكذلك حققت المملكة اكتفاء ذاتيًا في الألبان بنسبة %121 والبيض %112 ولحوم الدواجن %66 واللحوم الحمراء %43 والأسماك %40، أما في قطاع البن السعودي الذي بدأ ينال اهتمامًا كبيرًا، بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي فيه نحو %16 بإنتاج 1009 أطنان في العام الحالي، ومستهدف الوصول إلى سبعة آلاف طن عام 2026م، فيما حققت %33 نسبة اكتفاء ذاتي بقطاع الورد والنباتات العطرية بزراعة 651 مليون وردة، ومستهدف ملياري وردة عام 2026م.
وفي قطاع العسل، الذي تستورد المملكة منه سنويًا ما يقارب 25 ألف طن، ثمة مساعٍ لتغيير ذلك الوضع عبر حزمة برامج لتطوير قطاع صناعة وإنتاج عسل النحل الذي يسهم حاليًا بنحو 660 مليون ريال تمثل %1.07 من إجمالي الناتج المحلي الزراعي في البلاد، وأكد برنامج (ريف) مساهمته في تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي بالقطاع وصلت إلى %49 بإنتاج 3748 طن في العام الحالي، وسط توقعات بوصول الإنتاج عام 2026م إلى 7500 طن، فضلاً عن نسبة اكتفاء ذاتي بقطاع المحاصيل البعلية بلغت %13 بإنتاج 27 ألف طن في العام الحالي، وتوقعات بإنتاج 195 ألف طن في عام 2026م.
الأولى عربيًا
وفيما يتعلق بالإنتاج الحيواني والغذائي، أطلقت المملكة في عام 2017م ثلاث مبادرات ضمن برنامج التحوّل الوطني، تستهدف سدّ حاجة السوق المحلية، ووفقًا للإحصاء الزراعي الذي تصدره الهيئة العامة للإحصاء فإن المملكة تضم على أراضيها أكثر من 17.5 مليون رأس من الضأن، وحوالي 6.1 مليون رأس ماعز، ونحو 1.4 مليون رأس من الأبل، و354 ألف رأس من البقر.
ويبلغ عدد الشركات المتخصصة في إنتاج الألبان ومشتقاتها بنهاية العام الماضي نحو 12 شركة وطنية تنتج 7 ملايين لتر بسعة تعبئة يومية تبلغ 18 مليون عبوة تشمل 35 منتجا متنوعا من الحليب الطازج ومشتقاته تغطي مجمل الاستهلاك المحلي في أنحاء البلاد التي اتجهت نحو التصدير بنسبة تعادل %25 من منتجاتها المشتقة من الألبان إلى الأسواق الخليجية، بينما تبلغ صادرات الحليب نحو %56.4.
وتشهد كذلك صناعة الدواجن نموًا قياسًيا بعدما ارتفع الإنتاج من سبعة آلاف طن سنويًا عام 1971م ليبلغ 425 ألف طن عام 2000م و535 ألف طن في 2006م قبل أن يسجل 670 ألف طن تقريبًا في 2016م و750 ألف طن عام 2019م بنسبة اكتفاء ذاتي تفوق %60 للدجاج اللاحم، وتزيد على %106 بالنسبة لإنتاج بيض المائدة. وفي عام 2021م، أطلقت الوزارة خطة توسعية لضخ استثمارات جديدة في قطاع الدواجن بقيمة 17 مليار ريال لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي للحوم الدواجن إلى %80 كمرحلة أولى، ورخصت لـ 120 مشروعًا جديدًا لإنتاج الدجاج اللاحم، و30 مشروعًا لإنتاج بيض المائدة.
وتُعد المملكة الأولى عربيًا في إنتاج الدواجن، إذ يصل إنتاجها الحالي إلى 1.3 مليار دجاجة، و5.4 مليار بيضة سنويًا، وفقاً للمؤسسة العامة السعودية للحبوب، وشهدت البلاد خلال العامين الماضيين استثمارات كبيرة بقطاع الدواجن بلغت قيمتها نحو 13 مليار ريال، ما أعطى دفعة كبيرة للقطاع في الفترة الأخيرة، وثمة مخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواجن بنسبة %80 بحلول 2025م وتقليل الاعتماد على الواردات من خلال مشروع مشترك لتوطين الإنتاج في البلاد بين شركة تطوير منتجات الحلال (HPDC) المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة برازيل فودز (BRF) أحد أكبر مصدّري الدواجن عالميًا، ويتضمن المشروع الذي أعلنت الشركتان عن توقيع اتفاقية بشأنه تأسيس شركة في المملكة لرفع السعة الإنتاجية عبر سلسلة القيمة لقطاع الدواجن، والمساهمة في توطين قدرات تصنيع المواد الغذائية والمنتجات الحلال بالمملكة.
الاستزراع السمكي
وفي مجال الأسماك وصل عدد المزارع المتخصصة في إنتاج الأسماك نحو 55 حيازة، تحتوي على أكثر من ثلاثة عشر نوعًا من الأسماك في مزارع الاستزراع السمكي، وتزايد الإنتاج بوتيرة سريعة لتبلغ صادرات المملكة من المنتجات السمكية المستزرعة عام 2019م نحو 60 ألف طن بقيمة تجاوزت مليار ريال، وقد دشنت المملكة محطة لتفريخ أسماك المياه العذبة جنوب مدينة الرياض وتوزيع الإصبعيات مجانا للمزارعين لترتفع صادرات المملكة من الروبيان 40 ألف طن تجاوزت قيمتها 800 مليون ريال عام 2018م لتصبح من الدول الرائدة في ذلك المجال، وللمزيد من التطوير وقعت شركة (نيوم)، في أبريل الماضي، مذكرة تفاهم لإنشاء مزرعة أسماك تعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع شركة (أسماك تبوك)، تتعلق بتطبيق الجيل الجديد من تقنيات الاستزراع المائي داخل منطقة نيوم، بقدرة إنتاجية تصل إلى 70 مليون زريعة، وتحسين إنتاجية أنواع الأسماك المحلية في البحر الأحمر لتحقيق هدف المملكة بإنتاج 600 ألف طن من المنتجات السمكية بحلول عام 2030م.
ويرى أستاذ البساتين المشارك في قسم الإنتاج النباتي بجامعة الملك سعود الدكتور راشد العبيد أن المملكة مثلّت نموذجًا عالميًا في الوصول لنسب عالية من الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل، مشيرًا إلى أن تحقيق الأمن الغذائي ليس هدفًا اقتصاديا فقط، بل سياسيًا وأمنيًا، خاصة مع الحروب والكوارث البيئية التي بدأت تظهر عالميًا، وأن مفهوم الأمن الغذائي مفهوم واسع من ضمنه الاكتفاء الذاتي، قائلاً: “إنه يسعى لتحقيق ذلك في كثير من المحاصيل الزراعية التي لا تستهلك الكثير من المياه كما تدعم استيراد بعض المحاصيل الزراعية، وهناك برنامج في صندوق التنمية الغذائي يدعم ذلك”، موضحا بأن البرنامج الذي تقوم به شركة سالك المملوكة لصندوق الاستثمارات بأنه يستثمر في الزراعة في الخارج للمحاصيل التي تسهلك الكثير من المياه، وتورديها للمملكة، أضافة لمحاولة توجيه المزارعين للاعتماد على المحاصيل التي لا تستهلك الكثير من المياه.
وشدد العبيد على أن الأمن الغذائي الحيواني نقطة مهمة، بقوله: إن المملكة تستهلك الكثير من اللحوم وخاصة في مواسم الحج والأعياد، وهناك مشاريع مدعومة، ولكنها لا تستهدف المراعي المفتوحة لندرة النباتيات الرعوية، وهي تعتمد على الأعلاف المصنّعة المركبة، التي تكون قيمتها الغذائية عالية، وتتحول للحوم، وأحداث التوازن بين تحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي محليًا، لأنه من الصعب الاكتفاء ذاتيًا من المواشي التي يتم تربيتها داخليًا، ورغم ذلك فتوجد خطوات جيدة تشير إليها الخطط الحكومية بالعمل على إنشاء مزارع نموذجية متطورة للإنتاج الحيواني في عدد من المناطق، من خلال تقديم دعم مباشر لمربي الماشية من الأغنام والإبل والأبقار لأكثر من 100 ألف مربٍ، وحاليًا تبلغ الإعانات المباشرة 1.5 مليار ريال سنويًا.
شراكات تجارية
وفي سياق مسارات تحقيق الاكتفاء الذاتي، تضمنت استراتيجية المملكة تحقيق تنوع واستقرار مصادر الغذاء الخارجية عبر إنشاء آليات وأطر للشراكات التجارية لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي لتجارة الأغذية، وتفعيل آليات التعاون في مجال الأمن الغذائي بين دول مجلس التعاون الخليجي والمستويين الإقليمي والدولي، وتعزيز المشاركة في المنظمات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمن الغذائي، وإعداد وإطلاق خطة الاستثمار الزراعي في الخارج.
وتشمل الاستراتيجية أيضًا بناء قدرات مواجهة المخاطر المتعلقة بالأمن الغذائي وتصميم وإنشاء نظام فعّال للمعلومات وإدارة المخاطر، ووضع البروتوكولات والأنظمة والقدرات الإلزامية وإدارة الأزمات وحالات الطوارئ، وتطبيقها وفحصها واختبارها وصياغة الآليات والسياسات المناسبة لتشغيل وإدارة المخزون الاستراتيجي للأغذية في المملكة، بالشراكة مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص.
وقد قام البنك الزراعي العربي السعودي بتنفيذ سياسة التمويل من المشروعات الاستثمارية الزراعية المتخصصة، بهدف تحويل الزراعة في المملكة من الوسائل البدائية وزراعة الاكتفاء الذاتي إلى الزراعة التجارية، المتمثلة في قيام مشروعات كبيرة الحجم نسبيًا، والمعتمدة في أساس تكوينها على التقنيات الحديثة للاستفادة من اقتصادات السعة، هذا بجانب العديد من المشروعات الأخرى، المتمثلة في إنتاج الدواجن والبيض والألبان والحبوب والأعلاف وتسمين الأبقار وتربيتها، كما تبنت وزارة المالية والاقتصاد الوطني عبر العديد من الخطط التنموية سياسة تقديم إعانات سعرية إلى عدد من المواد الغذائية، من أهمها الأرز والدقيق والحليب والزيوت النباتية واللحوم المبردة والمثلجة والأعلاف اللازمة لتغذية الثروة الحيوانية بهدف تعزيز الأمن الغذائي، وتخفيف الزيادة في أسعار تلك السلع.
المياه الجوفية
غير أنه وبالتساوي مع الخطط الطموحة لتحقيق الأمن الغذائي، سعت وزارة البيئة والمياه والزراعة للحفاظ على المياه الجوفية غير المتجددة، وكانت البداية بوقف زراعة الأعلاف المستهلكة للمياه بوفرة، والتركيز على المنتجات الأقل استهلاكًا للمياه، مع إنتاج كميّات وافرة من علف شعير ذي إنتاجية وجودة عالية واستهلاك محدود للمياه عن طريق تقنيات الزراعة المائية والزراعة النسيجية، وإنتاج سلالات من المحاصيل ذات الإنتاجية والجودة وفقًا للتقنيات الوراثية، كما أطلقت برنامج الأمن الغذائي عبر تقنيات الزراعة في المناطق الصحراوية؛ بهدف تطوير تقنيات زراعية تحقق للمملكة أمنًا غذائيًا مستدامًا، وتنمية اقتصادية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية والجامعات والشركات الزراعية.
ولحماية المياه من الهدر، قامت المملكة بإنشاء 508 سدود مائية لتخزين 2.2 مليار متر مكعب من الماء، كما أطلقت الاستراتيجية الوطنية 2030م للمياه التي تهدف للحفاظ على موارد المياه، وتوفير قدر كافِ من مخزون المياه لسد كافة الاحتياجات، وتحسين استخدام المياه في جميع القطاعات والمجالات.
وتتضمن الاستراتيجية عشرة برامج لإدارة الموارد المائية وتخصيص حصص المياه بشكل متوازن بين جميع القطاعات والاستخدامات، أيضا عدّلت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن الشروط والضوابط اللازمة لحفر واستخدام آبار المياه الجوفية، وتشرف حاليًا الوزارة على أكثر من 8700 بئر تم حفرها لتأمين مياه الشرب في أنحاء البلاد، كما تشرف على تشغيل وإدارة 563 سدًا، وتسعى إلى تعزيز الاستفادة من مياه الأمطار عبر التخطيط لتشييد حوالي 1000 سد جديد.
ويشيد أستاذ زراعة المناطق الجافة في كلية العلوم البيئية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور بهجت طلعت بتجربة المملكة في الحفاظ على المياه الجوفية، من خلال عدة مشاريع وخطط استثنائية، قائلاً: بأن الوزارة تسعى إلى تحقيق هدف المواءمة بين تكثيف الزراعة وفي ذات الوقت تقنين استهلاك المياه الجوفية، من خلال تطبيق التقنيات الحديثة في الري والزراعة، وثمة العديد من التقنيات لتوفير موارد المياه سواء من المياه المتجددة أو حصاد الأمطار، والمناطق التي تتوفر فيها أمطار جيّدة، تكون أكثر مناسبة للزراعة، مع استخدام تقيات زراعية جديدة موفرة للمياه، سواء من نوعية التربية أو نوعية المزروعات.
توسع خارجي
ولم تكتفِ المملكة بما حققته محليًا في تحقيق مستهدفاتها للأمن الغذائي، وإنّما توسعت خارجيًا باستثمارها فيما يزيد عن مليوني هكتار في عدد من دول إفريقيا يعمل فيها كثير من سكان تلك الدول، وتتجاوز الاستثمارات في الخارج عشرة مليارات دولار موزعة على دول: السودان والمغرب وإثيوبيا ومصر والأرجنتين والبرازيل والهند وأستراليا وأوكرانيا وكندا، والهدف الأول لهذه المشاريع تعزيز الأمن الغذائي لها في السلع الأساسية، مثل القمح والذرة والأرز والشعير وفول الصويا والثروة الحيوانية.
ففي السودان على سبيل المثال استثمرت المملكة عام 2021م بتكلفة 850 مليون دولار مشروع (جبل مرة) للتنمية الزراعية، مع تشييد منشآت حصاد مياه لزراعة الذرة والفول السوداني والفواكه، كما تضمنت المشروعات أيضًا مجمعًا متكاملاً لصادرات اللحوم الحمراء والمنتجات الحيوانية في ولايتي كردفان ونهر النيل بمساحة مليون فدان بتكلفة 700 مليون دولار، إضافة إلى مشروعات الاستزراع السمكي وإنشاء مجازر آلية حديثة ومجمعات لإنتاج السكر، أيضًا اشترت شركة (سالك) حصة الأغلبية في مجلس القمح الكندي السابق في عام 2015م، إضافة لشركتين لإنتاج القمح في أوكرانيا، كما اشترت شركة تملك أرضًا زراعية تتجاوز مساحتها 494 ألف فدان في منطقة زراعة القمح بولاية أستراليا الغربية، إلى جانب 40 ألف رأس من الأغنام.
كما تملك شركات المملكة أيضًا استثمارات في البرازيل في قطاع الزراعة واللحوم والمنتجات الصناعية والكيميائية، بجانب مساحات من الأراضي في لوس أنجلوس وأريزونا، والأرجنتين بعضها مزروع لمحصول البرسيم المستخدم كأعلاف للأبقار ويتم توريده للمملكة بانتظام لخدمة شركات إنتاج الألبان، ووفقًا لآلية زراعة الأعلاف الخضراء التي تقضي بتوفير تلك الشركات احتياجاتها عبر الاستيراد من الخارج.
ويقول عميد كلية الزراعة والخبير في الاقتصاد الزراعي الدكتور محمد عبداللطيف النفيسة، على أن التوجه للزراعة خارجيًا يعد خيارًا مثاليًا اعتمدته المملكة مؤخرًا، وثمة توجه لصندوق الاستثمارات لزراعة المحاصيل الزراعية في الخارج، من خلال الاستثمار في مزارع خارجية، في البلدان ذات الموارد الطبيعية التي تساعد على الزراعة بكميات كبيرة، مؤكدًا إنه توجه مهم يسهم في الحفاظ على المياه لدينا، وأضاف أنه مع الخطط والمبادرات التي قامت بها وزارة الزراعة والمياه والبيئة، نحن في طريقنا لتحقيق الأمن الغذائي، سواء زراعيًا أو ما يخص الثروة الحيوانية من خلال عشرات المشاريع الجديدة، هناك تغيير في الخطط، وبات التركيز على الزراعة حتى ولو كانت مكلفة لتحقيق الأمن الغذائي، لهذا نلاحظ أن المملكة لم تتأثر بأزمة كورونا والحروب لوجود المخزون الاستراتيجي الكافي، وقال: كانت الخطط في السابق تقوم على عدم زراعة بعض المحاصيل المكلفة مثل القمح والأعلاف، والاكتفاء بالاستيراد، لكن هذه الفكرة تغيرت حاليًا، فالقمح مخصول اقتصادي وسياسي مهم، ولهذا أعادت الحكومة زراعة بعض المحاصيل، والاعتماد على التقنيات الزراعية الحديثة، بهدف تقنين التكاليف والهدر المائي، وهذا أدى للتوسع في بعض المحاصيل المهمة، فالهدف هو تأمين الغذاء.