علينا أن نسير في عالم التحديات والمفاجآت بخطى ثابتة لا كمتفرجين، بل كصانعي آمل ومتحفزين منذ البداية للتغلب على المعاضل العصرية المتواترة وبالتالي محاولة التموضع كمحور أساسي وفاعل ضمن المنظومة العالمية القادمة وهذا هو دأب الأمم والدول التي تنشد الديمومة والتطور في حقل التنمية عالميًا.
المقدمة السابقة ليست شعارًا فضفاضًا، بل هي حالة من التأمل الفكري السابق والجاد للتعامل مع المتغيرات الاقتصادية الاستراتيجية قبل حدوثها (جدية التخطيط للمستقبل) لكل دولة لا تريد أن تتفاجأ بطبيعة وأهمية المسارات القادمة المشغلة لاقتصاداتها، فما يراه البعض بعيد الحدوث ينظر إليه المخططون الاستراتيجيون كمرحلة تم تجاوزها للتفكير فيما بعدها!
لا يشكك أحد بأهمية ودور النفط الخام خلال العقود الثلاثة أو الأربعة القادمة كمصدر رئيس للطاقة لا زال العالم بأمس الحاجة إليه، فضلاً عن الاحتياطيات “الناضبة” التي لا زالت تلبي الطلب القادم (مع الحاجة إلى توسيع عمليات التنقيب والاستكشاف) إلا أن هذا المسار لا يمكن الركون له استراتيجيًا وبصورة “منفردة” كمورد مالي مستدام يلبي متطلبات عملية التنمية اللاحقة خاصة لتلك الدول التي تعتمد في ميزانياتها المالية على صادرات النفط وأسعاره بشكل رئيسي!
وجاهة الفقرة السابقة يمكن رؤيتها بإيجاز من خلال تقلب أسعار النفط التي تتأثر عادة بعدة عوامل اقتصادية وسياسية (بعضها مصطنع) فضلاً عن تحديات سياسات المناخ الدولية والتحول للطاقة النظيفة وبروز الغاز كعنصر منافس وتطور تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين والقائمة تطول في هذا المجال.
وما يهمنا هو استشراف المسار القادم والخطوات المؤملة فكريًا من قبل الدول النفطية والتي تعنى بجدية التخطيط للمستقبل ويمكن حصر المثال بدول مجلس التعاون الخليجي وإيجاز بعضها على النحو التالي:
- وجوب النظر إلى أن المرحلة القادمة على المستوى الاقتصادي ليست كسابقتها فالفجوة بين الموارد الريعية مقابل الزيادة في عدد السكان ستزداد اتساعًا وبالتالي ضرورة تضييق هذه الفجوة وتجاوزها من خلال العمل مبكرًا على تنويع مصادر الدخل بواسطة المشاريع والأفكار التنموية البناءة.
- التركيز على فرص الاستثمار الناجحة أيًا كان موقعها الجغرافي (كفاءة تدوير الملاءة المالية) مع مراعاة التحوط للتقلبات الاقتصادية والسياسية في العالم والحذر من مصيدة الديون، وإشراك القطاع الخاص وتحفيزه في عملية التنمية وحمايته من أي تحديات تواجهه.
- الاستفادة القصوى من الصناعات النفطية والغازية (بما فيها إنتاج الغاز ومعالجته) وتطويرها تكنولوجيًا ومحاولة توطينها وتوسعتها بما يتماشى مع مستجدات المرحلة القادمة (خفض الانبعاثات الضارة) مع عدم إغفال خطوط الإنتاج للطاقة الخضراء وتعزيز صناعتها (العمل بمسار متواز).
- التعجيل بإنشاء البنى التحتية الداعمة لاقتصاد وأمن المستقبل (القائم على المعرفة والابتكار) وعدم التهاون بعامل الوقت واستقطاب الكفاءات والكيانات القادرة على تكوين بيئة استثمار تنافسية (كشركاء لا كيد عُليا) واستغلال الموارد الطبيعية والقطاعات (التي شاب بعضها الإهمال مسبقًا) بطريقة اقتصادية وفاعلة.
- الاستعداد للتكيف مع المتغيرات المناخية (تحوط واستفادة لاحقة) من خلال تعزيز أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية المقاومة للظواهر المناخية وتحسين أساليب الزراعة دعمًا للأمن الغذائي.
- النظر إلى العلاقات الدولية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية بعين المصالح الاستراتيجية فلا مجال للعاطفة فحدة المنافسة ستزداد عطفًا على الواقع المستجد وهذا يتطلب من دول المجلس أن تقوي جانبها في هذا الشأن وألا تقع فريسة لعامل التنافس “السلبي” فيما بينها.
- تقديم مفهوم الأمن الجماعي على المصالح الاقتصادية الآنية فلا اقتصاد نام ومستدام مع أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة.
- تطوير منظومة التعليم وترصين مخرجاتها (زمن وجودة) والاهتمام بمراكز الفكر والأبحاث والدراسات بما يتماشى مع متطلبات العصر.
- الاهتمام في البيئة المعيشية للمواطن وجعلها أولوية وتذليل كافة التحديات التي تواجهه من أن يكون عنصر محوري في عملية الإنتاج والتنمية والتطور.
وقفة:
نــجـــاح بعض الــــدول “غير نفطيــــة” اقتصاديًا وتبوئها مكانة متقدمة في العالم حري أن يستفاد من تجربتها.