رأي

شريك الهيكلة والتنويع

يطل العام 2024م وسط تحديات معروفة على أكثر من صعيد، ويظل الاقتصاد أهم محاور مواجهة التحديات بجميع أنواعها، وتتراوح التوقعات بين مخاوف استمرار بعض المشكلات، مثل: التضخم والظروف الجيوسياسية، وبين التفاؤل بانخفاض أسعار الفائدة وانتعاش الأسواق ونمو الطلب إلى آخر قائمة الإيجابيات المعروفة.

ونحن في بلادنا – ولله الحمد – نرى أن السياسات الاقتصادية وتنوعها والدقة في التخطيط لها، والانضباط في تطبيقها، والمرونة في تطويرها وتغييرها إذا لزم الأمر تُحقق أهدافها تباعًا لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتحسين مستويات جودة الحياة، وزيادة فرص الوظائف النوعية الجديدة، والمهن الحرة والأعمال الصغيرة التي تُحقق طموحات أصحابها.

خلال إعلان ميزانية العام 2024م وما جاء بعدها من جلسات حوارية ثرية ظهر جليًا استمرار تبني المملكة في تنفيذ عدد من السياسات والمبادرات والقرارات التي تسعى إلى هيكلة الاقتصاد بالتركيز على التنويع الاقتصادي، وتمكين القوى الوطنية الشابة من العمل والابتكار، ورفع فعالية وكفاءة الإطار المؤسسي الحكومي، وزيادة دور وفاعلية القطاع الخاص، الشريك الأساسي في كل مراحل التنمية، والقطاع الذي يعول عليه كثيرًا في التنويع وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية.

يستجيب القطاع الخاص لكل تطور ويتكيف معه خاصة وهو يرى وضوح الرؤية لدى متخذ القرار، ودقة تنفيذ القرارات والإلمام بأهدافها ونتائجها، ويرصد نتائج المبادرات التي حملتها الرؤية والأرقام التي استهدفتها ويتابع تحققها على أرض الواقع، وكل هذا يساعده على رصد التحديات أولاً بأول والتخطيط لها بفاعلية، وعلى قراءة المستقبل والاتجاهات الجديدة، مما يساعده على صناعة الفرص المبتكرة أو الاستفادة من فرص قائمة للتوسع والانطلاق أكثر، وهو بهذا يصبح شريك الهيكلة الجديدة للاقتصاد، وشريك التنويعات الجديدة.

نلمس تفاعل القطاع الخاص مع إعطاء الحكومة أهمية استراتيجية لقطاعات، مثل: الصناعة، والسياحة، والرياضة، والرياضات الإلكترونية، وغيرها من مجالات التنويع الاقتصادي، وتفاؤله بسعي المملكة أن تكون وجهة استثمارية وسياحية رائدة عالميًا، والفرص المتاحة خلال العقدين القادمين اللذين سيشهدان كثيرًا من المناسبات العالمية الكُبرى كبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية وإكسبو الرياض 2030م وكأس الأمم الآسيوية، وكأس العالم وغيرها على فترات متقاربة ومتوالية، والمؤكد أن النجاح في التنظيم والاستضافة لكل هذه المناسبات سيؤهلنا لمناسبات أخرى لأننا نثق اننا سنكون الرقم الصعب في المنافسة في هذه المجالات.

أننا نعيش إنجازات متتالية رغم تقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية، وهذا يعد نتيجة للإصلاحات التنظيمية التي أسهمت في دعم التحول لبناء اقتصاد قوي متسق مع التنويع الاقتصادي واستدامته والأرقام تؤكد ذلك؛ ففي النصف الأول من العام الماضي، سجلت الأنشطة غير النفطية في المملكة ثالث أسرع نمو من بين دول العشرين، وهذه شهادة على قوة الاقتصاد السعودي، وهي أيضًا في رأيي شهادة على سرعة استجابة وتفاعل القطاع الخاص مع المتغيرات، وعلى قوة هذا القطاع الذي يُسهم بشكل كبير في الأنشطة غير النفطية.

بالطبع يواجه القطاع الخاص بعض التحديات وهو أمر مفهوم يحدث مع كل تحول، ومن الواضح أن هناك تفهمًا حكوميًا عميقًا لبعض تحديات ومطالب القطاع الخاص، وهناك تحديثات مستمرة بهدف الوصول إلى المعادلة الموزونة التي تساعد الطرفين على المضي قدمًا نحو مزيد من التقدم والازدهار.

وأخيرًا لعل من جماليات ما يحدث في الاقتصاد السعودي هو ازدياد عدد الشباب من الجنسين في القوى العاملة، وانبثاق الكثير من الأفكار الجريئة والأعمال الريادية التي فيها ابتكار حقيقي، وهذه الثورة التقنية الرقمية التي هي مكسب كبير يحمل في ثناياه تحديات جديدة نحن أهل لها.