رأي

السعودية وسلطنة عُمان والجغرافية الاستراتيجية

يموج العالم بالصراعات البشرية المتواترة وكافة الدول تتطلع لتحقيق مصالحها بأقل تكلفة (ميزان التكلفة يعتمد على مقدار المصلحة المتوقعة) وهذا الوصف ليس بالنظرية إنما هو واقع مُعاش منذ آلاف السنين وسوف يستمر إلى نهاية الخليقة، لذا فإن تحقيق المصلحة يتطلب نظرة استراتيجية مسبقة لأي معوقات تحول دون بلوغ الهدف.

تنويع منافذ التصدير والاستيراد والإمداد والربط، أصبحت سمة بارزة لمعظم دول العالم (المصدرة منها بالأخص) فالجميع يسعى نحو تقليل التكلفة في تجارته (ثمن ووقت ومخاطر)، فضلًا عن التوسع بها وما يَلحقها من مسائل نفوذ ومن هذا المنطلق انبثقت مشروعات التكتلات الاقتصادية والربط التجاري بين القارات والمنافسة حول الممرات التجارية.

وسعت دول مجلس التعاون الخليجي نحو التكامل الاقتصادي، إلا أن عديدًا من المشروعات الحيوية والاستراتيجية ما زالت غير مكتملة، فيما بينها (الربط السككي أحدها)، رغم تسارع الوقت والأحداث السياسية في المنطقة.

الموقع المتميز لسلطنة عُمان ووقوعها على بحر العرب وخليج عُمان أعطاها أهمية استراتيجية في حقل نقل وتخزين الطاقة (النفط والغاز)، فضلاً عن الموقع الجغرافي الآمن لربط الشرق بالغرب بعيدًا عن مخاطر إغلاق مضيق هرمز لأي سبب طارئ! مثل هذا التأثير “الجيوسياسي” لم يغب عن أعين الصين وهي صاحبة مبادرة الحزام والطريق التي سارعت خلال السنوات القريبة الماضية إلى تعزيز علاقاتها مع السلطنة ماليًا ودبلوماسيًا من خلال الاستثمار في قطاع الطاقة والبتروكيماويات وبناء المدن الصناعية، مثل: مدينة الدقم الساحلية.

وأُعلن في يوليو عام 2021م عن إنشاء مجلس التنسيق السعودي العُماني وأعقبه تطور ملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين البلدين على المستويين العام والخاص وزيادة في حجم التبادل التجاري خاصة مع فتح المعبر البري بينهما.

(خصص صندوق الاستثمارات العامة السعودي مبلغ (5) مليار دولار لإنشاء شركة في سلطنة عُمان مهمتها الاستثمار في الفرص المتاحة والمشروعات الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، إضافة إلى إنشاء صندوق استثماري مشترك “ركيزة” يُعنى بجذب الاستثمارات الأجنبية في كلا البلدين).

كما أن المملكة تعدُّ شريكًا استراتيجيًا بمشروعات اقتصادية متعدِّدة داخل السلطنة، فهي مشاركة في مجال الطاقة وتحلية المياه وإنتاج الكهرباء والهيدروجين الأخضر والصناعات الزراعية والبتروكيماوية والصلب والبنى التحتية الرابطة بين البلدين، فضلًا عن تطوير المدن “خزائن” وهناك مذكرات تفاهم لإقامة مدينة اقتصادية سعودية في عُمان والتعاون في مجال النقل والصناعة البحرية واللوجستيات، والسفر، والسياحة، والأبحاث.

وتتقاطع رؤية المملكة 2030م ورؤية عُمان 2040م من حيث الأهداف التي تصبو في نهاية المطاف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والتوسع في المجال الاقتصادي وتعزيز المصالح وتبادلها واكتساب الخبرات وجذب الاستثمارات والسعي نحو الاكتفاء الذاتي والاستقرار بكافة أشكاله.

الموقع الجغرافي لكل من البلدين لهما أثر إيجابي متبادل، خاصة على مستوى كفاءة انسياب السلع بينهما أو منهما إلى الخارج بغض النظر عن المصدر الأم لتلك السلع.

ومن منطلق تنويع منافذ التصدير والتحوط من مخاطر إغلاق بعض الممرات المائية، هناك مشروع حيوي تم التطرق إليه منذ سبعينيات القرن الماضي من الأهمية التذكير به مجددًا، يتعلق بأمن نقل النفط الخام (والغاز حاليًا) بين المملكة وعُمان بواسطة أنابيب عبر الأراضي العُمانية نحو بحر العرب دون المرور بمضيق هرمز الذي يمر عبره معظم صادرات دول مجلس التعاون الخليجي والعراق (بإمكان الأخيرين من خلال الربط الشبكي مع السعودية الاستفادة منه أيضًا حال إقراره بين الطرفين)، وقد أبدت سلطنة عُمان انفتاحها على المشروع مؤخرًا بعد تدشين مشروعها “رأس مركز” الخاص بتخزين النفط الخام في منطقة الدقم.

يتبقى ذكر أن مبادرة الطريق والحزام الصينية تشمل السلطنة، إلا أن المبادرة الجديدة طريق الهند الشرق الأوسط أوروبا لم تتضح معالمها الدقيقة بشمول عُمان فيها، مما يعني أن المشروع سابق الذكر (الربط السعودي العُماني) وزيادة التعاون الاقتصادي معها من الأهمية بمكان لتعويض ما قد يفوتها من مكاسب.

 

وقفة:

أيهما يقود الآخر السياسة أم الاقتصاد؟ الحقيقة تقول إن المصالح هي من تقود الاثنين! وكلما قويت المصالح بين الأطراف الدولية تعززت بعدها المسؤولية المشتركة.