اقتصاديات التدوير

سلع تالفة تدرُّ الملايين

61 مليار دولار القيمة السوقية لخدمات إعادة تدوير السلع التالفة عالميًا

نمو قوي لسوق السلع الإلكترونية المعاد تدويرها بقيمة 8.7 مليار دولار

 

“سكراب”، “خردة”، “بيكيا”.. كلمات تألفها مسامعنا لسنوات طويلة، ولكنها تحوَّلت في عصر الإنترنت إلى أوجه نشغاط اقتصادي لإعادة التدوير عالميًا، وأصبحت السلع التالفة بمثابة “كنوز مخفية” تدرُّ ملايين الدولارات، وذلك بالنظر إلى الحجم الهائل الذي ينتجه العالم منها سنويًا.

وتشير تقارير دولية إلى أن حجم النفايات البلاستيكية في العالم يصل إلى حوالي 400 مليون طن سنويًا، ويتم إلقاء ما بين 18- 50% منها في مياه البحار والمحيطات، كما تستحوذ النفايات الجافة والقابلة لإعادة التدوير، مثل الورق والكرتون والمعادن والزجاج، على نسبة 38% من النفايات العالمية، في الوقت الذي تسهم فيه نفايات الطعام بنحو 10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

فرص واعدة

ومع التقدُّم التكنولوجي السريع وانتشار الأجهزة الإلكترونية في العالم، أصبحت النفايات الإلكترونية واحدة من أهم التحديات الأكثر إلحاحًا في عصرنا الحالي، إذ يواجه العالم كمية هائلة من المنتجات الإلكترونية المهملة والتي بلغت 61 مليون طن في عام2022م، ومن المتوقع أن تصل إلى 74 مليون طن بحلول عام 2030م، يتم إعادة تدوير 18% منها فقط.

وثَّمة تقديرات تشير إلى أن القيمة السوقية لخدمات إعادة تدوير السلع التالفة والنفايات عالميًا بلغت 58 مليار دولار عام 2022م، على أن تصل إلى 61 مليار دولار عام 2023م، و63 مليار دولار في 2024م، وحوالي 83 مليار دولار بحلول 2030م، و91 مليار دولار في 2032، وهو ما يعكس النمو المتزايد لهذه السوق خلال السنوات المقبلة.

ومن المؤكد أن إعادة تدوير النفايات يوفر فرصًا اقتصادية للشركات وخاصة الناشئة منها، حيث تخلق صناعة إعادة التدوير فرص عمل تتراوح بين التجميع والفرز والتجديد وإعادة البيع، بالإضافة إلى ذلك، يسهم نمو إعادة تدوير النفايات في النمو الاقتصادي، كونه يعزز ريادة الأعمال والابتكار في تطوير تقنيات وعمليات إعادة التدوير الجديدة.

انتعاش الأسواق

ومع تزايد الطلب على الأجهزة الإلكترونية، تتوسع سوق خدمات إعادة تدوير النفايات والمواد المعاد تدويرها، ويمكن للشركات ذات الصلة الاستفادة من هذه السوق، وتقديم خدمات مثل التجميع والتفكيك واسترداد المواد، علاوةً على ذلك، يمكن استرداد المواد القيمة الموجودة بها، مثل الذهب والفضة والنحاس، مما يوفر مصدرًا إضافيًا للإيرادات.

وقد حققت سوق السلع الإلكترونية المعاد تدويرها عالميًا معدل نمو سنوي مركب 12% عام 2023م، بقيمة 8.7 مليار دولار، مقارنةً مع 7.6 مليار دولار عام 2022م، مع توقعات بأن تصل إلى 13 مليار دولار، بمعدل نمو مركب قدره 10.6% بحلول عام2027م، وتشمل هذه السوق معدات الاتصالات والأجهزة المنزلية الصغيرة وأجهزة الحاسب الآلي والأدوات المكتبية، مثل: آلات التصوير وأجهزة الفاكس التالفة، والتي يتم الاستفادة من مكوناتها أو صيانتها وإعادة بيعها، وهو ما يدفع بقوة إلى نمو سوق إعادة التدوير.

التحويل إلى موارد

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد حذرت مؤخرًا من عدم الاستغلال الأمثل للسلع والأدوات الإلكترونية التالفة، وأوجبت بضرورة التحوُّل إلى الطاقة الخضراء، والتي تصل قيمتها إلى 9.5 مليار دولار، وتحتوي على معادن مثل الذهب والليثيوم والفضة والنحاس، وتشمل الألعاب والكابلات والسجائر الإلكترونية والأدوات وفرش الأسنان الكهربائية وآلات الحلاقة وسماعات الرأس وغيرها من الأدوات المنزلية.

ففي الولايات المتحدة، تنتشر الشركات المتخصصة في إعادة تدوير السلع التالفة، إذ تعدُّ شركة “GOOD WILL” من كبرى الشركات المتخصصة في إعادة تدوير الملابس والأحذية، حيث لديها آلاف الصناديق المُخصصة لجمع هذه السلع من المواطنين، ويقوم موظفوها البالغ عددهم أكثر من 350 ألف موظف، بإعادة تدويرها وبيعها مرَّة أخرى بأسعار رمزية في فروعها البالغ عددها 3300 فرع في أنحاء الولايات الأمريكية، من خلال فرز الملابس حسب النوع واللون، وإزالة ما بها من مواد صناعية، وتحويلها إلى ألياف، يتم استخدامها في صناعة ملابس جديدة.

كما يُعدُّ التخلص من إطارات السيارات التالفة مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لعديد من دول العالم، بالنظر إلى أن حوالي مليار إطار سيارة تنتهي صلاحيتها كل عام، كما أنه يحتاج إلى عشرات السنين للتحلل الكامل، ويلجأ عديد من الدول إلى إعادة تدويره واستخدام مكوناته بشكل يحافظ على البيئة ويحقق فوائد اقتصادية كبيرة.

ففي ماليزيا على سبيل المثال، يعمل عديد من الشركات في هذا القطاع المهم، سواء من خلال إعادة ترميم الإطارات التالفة تمهيدًا لإعادة استخدامها مرَّة أخرى، أو تحويل مكوناتها إلى مطاط أو مواد خام جديدة، يتم إعادة تصنيعها كإطارات جديدة.

كما تعمل شركة السيارات الألمانية “أودي” على معالجة زجاج السيارات التالف واستخدامه في تصنيع الزجاج الجديد، من خلال عملية متعدِّدة المراحل، تتضمن تكسير الزجاج التالف إلى أجزاء صغيرة وتنقيته من المواد غير الزجاجية، وصهره لتحويله إلى ألواح زجاجية جديدة، مشيرة إلى أنها بدأت بالفعل من عام 2017م، في إعادة تدوير مخلفات الألمنيوم.

وفي كوريا الجنوبية، أعلنت شركة “إل جي إلكترونيكس”، عن تسريع أوجه نشاط إعادة تدوير السلع التالفة، من خلال جمع ومعالجة ما يقرب من 4 ملايين طن من الأجهزة المنزلية المستعملة سنويًا، مشيرةً إلى أنها جمعت وعالجت حوالي 743 طنًا من السلع الإلكترونية العام الماضي، وهي الكمية الأكبر منذ أن بدأت في جمع الأجهزة المنزلية المستعملة في عام2007م، لافتةً إلى أن برنامجها لتجميع الأجهزة المنزلية المستعملة يهدف إلى تحويلها إلى قيمة اقتصادية واستغلالها كموارد.

وأعلنت شركة “سامسونج للإلكترونيات” المعروفة، عن زيادة ملحوظة في استخدام المواد المعالج تدويرها في منتجاتها، مشيرةً إلى أنه تم استخدام حوالي 99 طنًا من البلاستيك مع مادة “الراتنج” المعاد تدويرها العام الماضي، بنسبة 14%، وقامت بجمع أكثر من 600 طن من السلع الإلكترونية.

التقدُّم التكنولوجي

وتعمل شركة Closing the Loop الهولندية، عبر مندوبيها في الدول الإفريقية على جمع الهواتف المحمولة المتوقفة عن العمل، حيث تصل مبيعات الهواتف في القارة السمراء نحو 230 مليون هاتف سنوياً، وبعد جمعها يتم صهرها في مصنع مُخصص لاستخراج الكميات الصغيرة من المعادن باهظة الثمن منها.

وأشار تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أن القطاع الخاص في الدول الإفريقية يشهد بشكل متزايد فرصًا استثمارية في قطاع إعادة التدوير، حيث تعمل الشركات على تحفيز الابتكار وتطوير السوق من خلال تحديث التكنولوجيا والبنية التحتية، ودعم قطاع سوق إدارة السلع والنفايات وخاصة البلاستيكية، لافتاً إلى أن الجهات الفاعلة في قطاع إعادة التدوير تشمل “ريسكيل بونتس” في نيجيريا، وبتكو في جنوب إفريقيا وإيكوبوست في كينيا، حيث قامت هذه الشركات بإطلاق تطبيقات إلكترونية وقواعد بيانات لجامعي السلع والنفايات، وربطها مع مرافق إعادة التدوير.

وأوضح التقرير أن أنشطة إعادة التدوير وتحويل السلع والنفايات بعيداً عن المكبات والمدافن عن طريق إعادة استخدامها وتدويرها، يمكن أن يضخ 8 مليارات دولار إضافية كل عام في الاقتصاد الإفريقي.

وبفضل التقدُّم التكنولوجي، أصبح بيع السلع التالفة أكثر سهولة، حيث توجد مجموعة متنوِّعة من المنصات والتطبيقات الإلكترونية التي تربط البائعين بالمشترين، منها منصة “eWorldTrade”، والتي تعدُّ من أكبر المنصات العالمية العملاقة المتخصصة في بيع كافة المنتجات، وموقع ” eBay” والذي يوفر سوقًا ضخمة لتداولات المنتجات ومنها المستعملة والتالفة والقابلة لإعادة التدوير، و”Recycler’s World”، وهي منصة متخصصة لشراء وبيع المواد والسلع القابلة لإعادة التدوير.

 

قيمة لكل سلعة

وتبدو هذه الأهمية المتزايدة لصناعة “إعادة التدوير” في العالم، خلقت قيمة لكل سلعة تالفة، والتي تختلف – بطبيعة الحال- قيمتها باختلاف ما يمكن استغلاله منها في منتج جديد أو يتم تطويره؛ إذ ينتج عن هذه الصناعة آلاف فرص العمل ومردودات اقتصادية كبيرة، ناهيك عن أهميتها البيئية في الحفاظ على الموارد الطبيعية وحسن استغلالها لتحقيق التنمية المستدامة بدلًا من حرقها أو التخلص منها بطرق غير آمنة وملوثة للبيئة.

فعلى سبيل المثال، يوفر حرق 10 آلاف طن من النفايات وظيفة واحدة، فيما يوفر دفن الكمية نفسها 6 وظائف، لكن إعادة تدويرها توفر 36 وظيفة، وبهذه الطريقة ومع ارتفاع معدَّلات التدوير الحالية بنسبة 75%، فإنه من المتوقَّع أن يتم توفير أكثر من 3 ملايين فرصة عمل عالميًا بحلول عام2030م.

ويمكن التأكيد على ضرورة أن توفر الدول برامج داعمة لصغار المستثمرين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، للدخول إلى عالم “إعادة التدوير”، لتحقيق الاستفادة القصوى من السلع التالفة، وتحقيق مردود اقتصادي كبير، فضلاً عن الحفاظ على البيئة، ودعم الجهود المبذولة لتحقيق الأجندات الوطنية للتنمية المستدامة.