أسواق صناعة السيارات

ديترويت الجديدة!

تستهدف المملكة إنتاج نحو 300 ألف سيارة بحلول عام 2030م وأن تستحوذ على حصة 50% من مبيعات السيارات في منطقة الخليج

تنوي المملكة استثمار 6 مليار دولار في مصانع الألواح الفولاذية والمعدن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية

 

تخطو المملكة خطوات مُتسارعة في سبيل تحقيق أهدافها بأن تصبح (ديترويت الجديدة) في الشرق الأوسط، وأن تكون المركز الرئيس لصناعة السيارات في العالم، من خلال الاستفادة من موقعها الاستراتيجي واستثماراتها الهائلة في التقنيات المتقدِّمة.

وفي يناير 2022م دشَّنت المملكة أول مصنع تجميع سيارات في البلاد، بعد أن تم وضع حجر الأساس لمصنع “سنام” لتجميع سيارات الركاب في مدينة الجبيل الصناعية، بمحتوى محلي يصل في البداية إلى 15% ومن ثم في المرحلة الثانية من 30% إلى 40% وبطاقة إنتاجية تصل إلى 30 ألف سيارة سنويًا.

وفي مايو من العام نفسه، وقَّعت شركة لوسِد موتورز الأمريكية اتفاقيات لبناء مصنع إنتاج في المملكة بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 155 ألف سيارة كهربائية عديمة الانبعاثات، ومن المتوقع أن تحصل لوسِد على تمويل وحوافز تصل إلى 3.4 مليار دولار على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة.

وبعد مرور قرابة العامين على وضع حجر الأساس لمصنع سنام، تُسارع المملكة الخُطى للانتهاء من 160 مصنعًا منها 33 مصنعًا للأجزاء والملحقات والمحركات، و21 للمركبات بما في ذلك أعمال التجهيز، و106 للمقطورات والشاحنات، وتستهدف المملكة إنتاج نحو 300 ألف سيارة بحلول عام 2030م وأن تُشكل ما نسبته 50% من مبيعات السيارات في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2025م من حوالي 1.15 مليون سيارة 62 ألف منها سيارات كهربائية.

ومن المتوقع أن تمثل السيارات الكهربائية ما بين 5% و7% من النمو في المملكة، الأمر الذي سيجعل منها وادي ديترويت الجديد، وهو المكان الذي اختاره كبار صُناع السيارات في العالم للتمركز فيه بالولايات المتحدة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، عمرو فلمبان، أن المملكة باتت من أكبر أسواق صناعة السيارات في المنطقة، مشيرًا إلى أن توطين صناعات السيارات بخاصة الكهربائية مع أكبر الشركاء في المجال سيضع المملكة في مصاف الدول المصنعة للسيارات الكهربائية، مستندة على الطلب المحلي وميزة الموقع الاستراتيجي للتصدير، وكذلك استيراد مواد التصنيع، مما يعزز من ربحية الإنتاج وتوفير مصدر دخل جديد للعملات الأجنبية بجانب النفط، وأضاف أن صناعات السيارات تُعدُّ محركًا لصناعات أُخرى عديدة كصناعة الهياكل  واللدائن الداخلية والبطاريات والإطارات وغيرها من الإضاءات والزجاج، وكذلك مجالات جديدة كتصميم وتطوير المحركات الكهربائيّة ومكوناتها وأنظمة التشغيل والذكاء الصناعي.

بنية قوية

تشكِّل المصانع الجديدة بنية تحتية مناسبة لدفع مزيد من الدعم داخل النشاط التصنيعي، ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن شركة الاستشارات الإدارية الرائدة آرثر دي ليتل ميدل إيست، تشكِّل هذه المصانع بنية تحتية مناسبة لدفع مزيد من الابتكار داخل البلاد، متوقعًا أن تنمو مبيعات السيارات في المملكة بحلول عام 2025م بمعدَّل سنوي مركب يبلغ 24%.

يُعدُّ دخول المملكة في مجال صناعة السيارات مشروعًا منتظرًا منذ عقود، لكنه بات الآن في صلب الاستراتيجية الوطنية للصناعة؛ إذ يكشف المحلل المالي ناصر القرعاوي، عن أن اهتمام المملكة بصناعة السيارات لم يكن وليد اليوم وإنما بدأ الاهتمام بهذه الصناعة منذ أكثر من 30 عامًا، ولكنها لم تخطو بسرعة كاليوم، وذلك بحلول الرؤية، التي استهدفت التنويع وباتت تنظر إلى صناعة السيارات بنظرة استشرافية واعتبرتها مصدرًا قويًا لتقديم المملكة نفسها كمركز لصناعة السيارات سواء الكهربائية أو السيارات الأُخرى والنقل وصناعة قطع الغيار وما يدخل في صناعة النقل بشكل عام.

وأضاف القرعاوي، بقوله إن هذا المشروع الضخم سيحظى بكثير من الدعم واختصار الوقت من خلال الاتفاقيات مع كبار الصانعين في العالم، والدول التي لديها خبرة مصانع كبُرى، بدأت الحالة الزمنية تتضح أكثر من خلال هذا الدور في مجال العلاقات الاقتصادية مع الدول المصنعة، لافتًا إلى أن المملكة لديها توجُّه بأن الاعتماد على البترول لن يستمر طويلاً، لهذا باتت الصورة الذهنية لإضافة مورد اقتصادي كبير تتضح، وبدأت فعلاً في إنتاج السيارات، والتوسع في هذه الصناعة، وفي كل المناطق، ليس منطقة دون أُخرى، والهدف الوصول للأسواق المجاوزة في القارة الآسيوية والإفريقية.

اهتمام كبير

وتضخ المملكة استثمارات هائلة في صناعة السيارات الكهربائية وتزيل العوائق أمام الحصول على التراخيص المعنية في سعيها لتنويع الاقتصاد المحلي لمعالجة التغيير المناخي، وبحسب تقرير لمجلة الايكونوميست فإن المملكة تنوي استثمار 6 مليار دولار في مصانع الألواح الفولاذية والمعدن المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، كما أزالت المملكة العوائق القانونية أمام الشركات للعمل في هذا القطاع.

ومؤخرًا، كشفت صحيفة كورية أن شركة هيونداي التي تُعدُّ رابع أكبر مصنعي السيارات في العالم تتطلع إلى إنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في السعودية، وبحسب صحيفة كوريا ايكونوميك ديلي تستغل الشركات الكورية الجنوبية بشكل متزايد فرص النمو في المملكة، ويأتي الإعلان بعد أقل من شهرين من توقيع الشركة مذكرة تفاهم مع وزارة التجارة السعودية لبناء مصنع لتجميع السيارات الكهربائية في المملكة، وبموجب الاتفاقية المبدئية، سترسل هيونداي سيارات كهربائية نصف جاهزة وقطع غيار إلى المملكة، لتجميعها وبيعها في السوق المحلية، وتعتزم هيونداي شحن السيارات الكهربائية شبه المجمعة وقِطع الغيار إلى المملكة لتجميعها باستخدام نظام CKD المدمج بالكامل، وهو نمط إنتاج يستخدم في صناعة السيارات ويُعدُّ الأكثر انتشارًا في العالم ويتضمن إرسال القطع مفككة من قِبل المنتجين إلى الجهة المستوردة ومن ثم يتم تجميعها محليًّا في مصنع مخصص لإنتاج السيارات.

ناصر القرعاوي

استراتيجية أوسع

وتولي استراتيجية الصناعة السعودية الأولوية لنحو 12 قطاعًا من بينها صناعة السيارات، مصنعا (سنام ولوسيد) كانا مجرد البداية، تلاهما الإعلان عن العلامة التجارية السعودية لصناعة السيارات الكهربائية (سير)، في نوفمبر قبل الماضي، وتعدُّ الشركة مشروعًا مشتركًا بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة فوكسكون، وتستهدف المملكة تصنيع 500 ألف سيارة كهربائية سنويًا بحلول عام 2030م وهو ما يساوي تقريبًا الطلب السنوي للسيارات في المملكة حاليًا.

وتعمل (سير) على تصميم وتصنيع وبيع السيارات الكهربائية، كما ستقوم بصنع أنظمة تقنية مع خاصية القيادة الذاتية للسيارات، ومن المقرر أن تكون سيارات الشركة متاحة للبيع في 2025م، ومن المتوقع أن تجذب الشركة استثمارات أجنبية تصل إلى 562 مليون ريال، إلى جانب توفيرها 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وإسهاماتها في الناتج المحلي بـ 30 مليار ريال بحلول 2034م، وتتطلع شركة (سير) إلى كسب 8 مليار دولار من إجمالي القيمة المضافة بحلول عام 2034م، أي ما يعادل 0.7% من الناتج المحلي، وهو ما يعكس جدية المملكة في تنويع اقتصادها، وفي إنشاء صناعات جديدة، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار عند قراءة التطلعات الطموحة للمملكة أن الدخول في صناعة السيارات صعب رغم التسهيلات المرتبطة بقطاع السيارات الكهربائية.

عمرو فلمبان

كما تُعد المملكة أكبر سوق للسيارات في المنطقة العربية، حيث يتمُّ بيع 550 ألف مركبة خفيفة سنويًا، والعدد في ازدياد، وتوفر السوق المحلية أرضية لتدشين صناعة السيارات قبل انطلاقها إلى التصدير، غير الاعتبار الاستراتيجي الأهم هو أن المملكة تدخل هذه الصناعة فيما يشهد القطاع عالميًا نقطة تحوّل، مع توسع صناعة السيارات الكهربائية والهجينة، لهذا اهتمت خطة المملكة بالسيارات الكهربائية، ووضعتها على قائمة أولوياتها، خاصة وأن التقديرات تؤشر بتراجع حصة السيارات التقليدية العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2030م إلى 49% مقابل 30% للسيارات الهجينة و21% للسيارات الكهربائية.

وعلى هذا الأساس، تهدف الاستراتيجية لتأسيس مصنعين للسيارات الكهربائية في المملكة بإنتاج سنوي يصل إلى 300 ألف سيارة، والتي من الواضح أنها لن تتوقف هذه الاستراتيجية عند حدود التجميع، بل تشمل 13 مكونًا تدخل في مختلف مستويات سلسلة الإمداد، بدءًا بالمقاعد والإطارات وأنظمة التكييف والتدفئة، وصولاً إلى الزجاج وبطاريات الليثيوم والمحركات، وهذا ما يؤهل المملكة لأن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات ومكوناتها.