فريق صيني ينجح في حصاد الماء من الهواء باستخدام الطاقة الشمسية، وباحثون في تكساس يتوصلون إلى مادة تستطيع تجميع المياه من الجو .
لا شك في أن العلم لا يتوقف عند حدٍ معين، إذ يسعى العلماء والباحثون حول العالم إلى ابتكار وتطوير تقنيات حديثة، تطرح حلولاً مبتكرة لمشكلات كنا نظن أنها غير قابلة للحل، خاصة حين يتعلق الأمر بمسألة المياه، ومعاناة عديد من الدول والمجتمعات منها، وسط مخاوف تتعلق بمخاطر التعرض للشح والإجهاد المائي، بل وندرة المياه الصالحة للزراعة والاستهلاك الآدمي، حيث تفتح هذه التقنيات المبتكرة الباب واسعًا أمام مزيد من الاستثمارات في المجال البيئي، والاستفادة من الطلب الهائل على مصادر الحياة.
تقنية جديدة
وأعلن فريق بحثي في جامعة شنغهاي جياو تونغ الصينية، عن ابتكاره تقنية رائدة تتيح الحصول على الماء مباشرةً من الهواء، باستخدام الطاقة الشمسية، بالاعتماد على مواد هلامية وأملاح مرطبة لامتصاص الماء من الجو، وهو ما يعطي الأمل في تأمين الاحتياجات اليومية من المياه الصالحة للشرب والاستخدمات الأُخرى، خاصة في المناطق الجافة والقاحلة.
ولا ترتبط هذه التقنية المبتكرة، بحسب الفريق البحثي، بقوة الإشعاع الشمسي، حيث أثبت الجهاز المبتكر قدرته على امتصاص الماء من الغلاف الجوي في فترات الصباح وبعد الظهر، مشيرًا إلى أن كل كيلو جرام من الهلام الجاف (الذي يستخدم مواد مثل ألياف السيليلوز والسكر والكراميل والعسل والجليسيرول والملح) قادر عن امتصاص 1.2 كيلو جرام من الماء في البيئات الجوية القاحلة، و6.4 كيلو جرامات في البيئات الجوية الرطبة، وأكد أنها تقنية بسيطة وغير مكلفة.
أفكار مبتكرة
ويمكن القول إن استخلاص الماء من الهواء والتقنيات المرتبطة به ليست حديثة، فهي في مرمى اهتمامات المختصين خلال السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2021م أعلن الباحثون في جامعة تكساس بأوستن الأمريكية، عن استخدام نوع جديد من مادة الهيدروجيل، قادرة على تجميع المياه من الغلاف الجوي بسحب الماء من الرطوبة الموجودة في الهواء، فإذا كانت مستويات الرطوبة عالية يمكن لهذه المادة تمرير الضباب عبر شبكة أو تبريد الهواء تحت نقطة الندى لتكثيف الرطوبة والحصول على الماء السائل، ولكن في ظروف الرطوبة المنخفضة والمناطق القاحلة، يجب استخلاص بخار الماء مباشرة من الهواء على شكل غاز.
وتؤكد الدراسات أن عديداً من المواد المستخدمة لسحب الرطوبة من الهواء بسهولة تتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة للحصول على الماء لاحقًا، لكن الباحثون في جامعة تكساس، قاموا بتطوير مادة الهيدروجيل الاصطناعية لمعالجة هذه المشكلة، حيث إنها عبارة عن شبكة بوليمر تحتفظ بشكل طبيعي بالكثير من الماء، وتتطلب طاقة أقل لإطلاق المياه مقارنة بالمواد الأُخرى، وتعمل مع ضوء الشمس كمصدر وحيد للطاقة.
وفي عام 2014م، لاحظ أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، عمر ياغي، شيئًا غير مألوف بشأن مادة جديدة تجذب الماء كان مختبره يطورها، واستطاع بالتعاون مع فريقه البحثي في تطويرها على شكــل جهـــــاز مكون من هياكل معدنية عضويـــــة أطلق عليــــه “حصادة الطاقة الشمسية”، قادر على التقاط جزيئات الماء من الجو، دون الحاجة لظروف الرطوبة العالية.
تجارب ناجحة
حصاد الماء من الهواء انتقل من مرحلة التجارب المعملية للباحثين والمهتمين إلى مرحلة التطبيق الفعلي، وأصبح بمثابة فرصة واعدة للشركات الناشئة، إذ نجحت شركة “سورس هيدروبانلز” الأمريكية في تطوير جهاز يحصد الماء باستخدام الطاقة الشمسية، في شكل يشبه المولدات الكهربائية، حيث يتم استخدام كل من الألواح المائية التي تعمل بالطاقة الشمسية لتشغيل المراوح التي تسحب الهواء وتدفعه عبر المواد الممتصة للماء، من خلال عملية التكثيف السلبي لتحويل بخار الماء إلى مياه صالحة للشرب، ويتم استخدامه حاليًا في 52 دولة حول العالم.
كما أعلنت “أورافو لابس”، وهي شركة ناشئة هندية، عن وضعها اللمسات الأخيرة لأكبر وحدة تشغيل تابعة لها في مدينة بنغالورو، لحصاد الماء من الجو بتكلفة معقولة وأكثر استدامة، تعمل بالطاقة المتجددة بشكل كامل، بطاقة إنتاجية 1000 لتر يوميًا، قد تزيد إلى 10 آلاف لتر يوميًا في وقتٍ لاحق، حيث تعد الشركة الهندية هي الوحيدة التي تركز على الاستدامة، ويوجد العديد من الشركات الأخرى التي تقوم بحصاد المياه من الهواء، باستخدام أجهزة تعمل بنفس طريقة مكيفات الهواء، وبالتالي تحتاج إلى طاقة كهربائية هائلة.
وتعتمد الشركة الهندية على مجففات تقوم بامتصاص الرطوبة من الهواء، والتي يتم تسخينها بعد ذلك باستخدام مصادر الطاقة المتجددة للحصول على الماء في النهاية، حيث بدأ الفريق العمل على الفكرة في عام 2017م ومنذ ذلك الحين، جمعت الشركة 2.5 مليون دولار، وقامت بتجديد تصميمها بالكامل، بشكل يُحقق انخفاض كبير في التكلفة، حيث تبلغ تكلفة إنتاج اللتر الواحد حوالي 9 سنتات أمريكية، مع توقعات بأن ينخفض إلى 3 سنتات في المستقبل القريب، وتقوم بتسويق منتجاتها من مياه الشرب النقية في المطاعم الراقية وسلاسل الفنادق في بنغالور.
الاستثمار البيئي
ويواجه العالم أزمة مياه تزداد خطورتها يومًا بعد يوم، إذ أعلنت الأمم المتحدة أن حوالي 5 مليار شخص سيواجهون نقصًا في المياه بحلول عام 2050م، وذكر معهد الموارد العالمية أن ما يقرب من نصف سكان العالم يواجهون شحًا في المياه لمدة شهر على الأقل في السنة، كما قدرت منظمة الصحة العالمية واليونيسف أن 25% من سكان العالم يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والمدارة بشكل آمن في المنزل، وهو ما يعكس الأهمية المتزايدة للتقنيات المبتكرة في الحصول على المياه من الهواء.
ويؤكد مختصون على أن هذه الأجهزة والتطبيقات الحديثة تعد رخيصة الثمن وسهلة النقل، فعلى سبيل المثال، تمكن الباحثون في شركة “إكس” التابعة لشركة “ألفابت” الأمريكية، من تطوير جهاز بمساحة متر مربع واحد، وقادر على إنتاج مياه صالحة للشرب بتكلفة 10 سنتات للتر الواحد، مما يمثل فرص استثمارية لرواد الأعمال وصغار المستثمرين للدخول إلى هذا المجال.
وتناولت دراسات عدة المزايا النسبية للاستثمار في مجال حصاد الماء، والتي تتمثل في توفير مصدر مياه غير محدود تقريبًا مع عدم وجود تأثير بيئي يذكر، نتيجة الاعتماد على الطاقة الشمسية، ويعمل بشكل مستقل عن شبكة الطاقة، كما أنه يقوم بتوفير المياه في الموقع، وبالتالي لا توجد تكلفة للنقل أو التخزين.
وفي ذات السياق، تقول المديرة التنفيذية لشركة تطوير الطاقة والمياه الأمريكية، إيرما فيلاسكيز، إن مشكلة ندرة المياه ليس لها حدود، مما تجعل الحاجة مُلحة لتطوير تقنيات حديثة، مشيرةً إلى أن الحل الذي تقدمه الشركة يتمثل في مولد مياه جوي قادر على استخراج 300 ألف لتر من الماء يوميًا، باستخدام تكنولوجيا التبريد فائقة الكفاءة للتكثيف، ويمكن لهذه التكنولوجيا أن تكون خطوة جيدة في تطوير مزيد من حلول توليد المياه التي تدمج التقنيات المتجددة.
وأضافت أنه يجب علينا أن نستمر في الاستثمار ونؤمن بأننا قادرون على القيام بذلك، على الرغم من أن التحدي كبير، ولفتت إلى أن الشركات والمستثمرين المحليين في هذا القطاع بحاجة إلى فهم البصمة المائية والاستدامة في المنطقة المخطط العمل فيها، لأن هذه عوامل تضمن نجاح الاستثمار وفي الوقت نفسه تحقق الاستدامة البيئية.
ويمكن القول بأن الهواء أصبح مصدر المياه العذبة الجديد، وأن الاستثمار في هذه التقنيات الحديثة يحقق عوائد اقتصادية وبيئية كبيرة، بالنظر إلى أن إنتاج مليون لتر يوميًا من الهواء، يعني توفير أكثر من 2.5 مليون لتر من المياه الجوفية وأكثر من 15 إلى 20 طنًا من ثاني أكسيد الكربون.