استراتيجية البقاء ثروات

استراتيجية البقاء..

اتفــــاق عام بأن تحقيـــــق الثروة واستدامتهــــــا يتطلـــــــب عــــــادة استراتيجية طويلة المدى، والتي يُنظر إليها باعتبارهــــا الضوء الإرشـــادي للمستقبل أو النظرة الاستشرافية التي توفر خارطــــة طريق ممتــــدة لتحقيق الأهداف.

يتحقــــق الاستشـراف الاستراتيجي من خلال مجموعــــة من الآليــــات والخطـــــوات اللازمـــــة التي تمكَّــــن أصحاب الأعمال من جمع المعلومات من مصــــادر موثوقــة والربــــــــــط بينهما لاتخاذ قرار استراتيجــي فيما يتعلق بالمستقبل.

 

يستخدم عديد من أصحاب الثروات والأعمال استراتيجيات مختلفة للبقاء والاستمرار في صدارة المنافسة، إلا أن أهم هذه الاستراتيجيات هي تلك المعروفة باستراتيجيات طويلة المدى، كونها القادرة على رؤية ما وراء الحاضر والمستقبل، والتي عند وضعها بشكل صحيح توفر العديد من الفوائد والمزايا، لذلك إذا كان أصحاب الثروات يبحثون عن طريقة لتعزيز أدائهم وتنمية ثرواتهم وتعزيز صلابتها أمام المتغيرات، فإن استشراف المستقبل بخطط طويلة المدى هو ما تحتاجه، والذي أصبح ليس مجرد ترف في الأوقات الجيدة، وإنما حاجة ضرورية للبقاء والاستمرار في جميع الأوقات.

 

فأصبح ضروريًا على أصحاب الثروات، في ظل ما يشهده العالم من تطور سريع ومتلاحق لاسيما في مساراته التكنولوجية التي باتت تتقدم بشكل شبه يومي، التعاطي مع حالة التطور السريع هذه، وذلك بالارتكاز على استراتيجية مستقبلية محكمة بمضامينها التعريفية والتنفيذية تمكنهم من رؤية المستقبل واحتياجاته ومن ثم الحفاظ على ثرواتهم وحمايتها من “صدمة التطور”، هذه الصدمة وعلى الرغم ما تحمله من إيجابيات مُحفزة على النمو، تدفع راغبي الحفاظ على ثرواتهم واستدامة نموها بابتكار أدوات وآليات جديدة تمكنهم من ملاحقة التطور، إلا أنها قد تؤدي إلى الانهيار في حال عدم ملاحقتها وانتفاء الرغبة والقدرة على الابتكار.

ثلاثة مستويات

وبشكل عام ثمة ثلاثة مستويات للاستراتيجيات، يتجسد المستوى الأول منها فيما يُعرف باستراتيجية السياسة العامة أو التوجه العام للشركة بما يعكس الاتجاهات العامة نحو النمو وطرق إدارة الأعمال وخطوط منتجاتها لتحقيق التوازن، فهي الاستراتيجية المحددة لنوعية الأعمال التي يجب أن يرتبط بها أصحاب الثروات، وكذلك تدفق الموارد والأموال، وعلاقاتها المجتمعية، فيما يتجسد المستوى الثاني من الاستراتيجيات فيما يعرف باستراتيجية الأعمال أو استراتيجية إدارة التنافس، وهى تركز على تحسين الوضع التنافسي لمنتجات أو خدمات الشركة، أما المستوى الثالث من الاستراتيجيات هو استراتيجية الموارد البشرية، والتي تتعلق أساسًا بتعظيم الكفاءة فهي تطور وتضع المسارات اللازمة لتحسين الأداء.

وتعرف الاستراتيجيات بأنها خطط منهجية تتضمن طرقًا وأساليبًا مبنية على فنون التخطيط، وتقوم على فن إدارة العمليات بشكل منظم وشامل ومتكامل وتصل في محصلتها النهائية لتنفيذ أهداف السياسات العليا التي تشكل منطلقًا لها.

 

الضوء الإرشادي

وثمة اتفاق عام بأن تحقيق الثروة واستدامتها يتطلب عادة استراتيجية طويلة المدى أو بالأحرى ما يُعرف باستراتيجية البقاء، والتي يُنظر إليها باعتبارها الضوء الإرشادي للمستقبل أو النظرة الاستشرافية التي توفر خارطة طريق ممتدة لتحقيق الأهداف المالية وتساعد الشركات على البقاء ومواجهة الاضطرابات والمتغيرات؛ إذ تمثل النهج الذي يركز على النمو المستدام والاستقرار المالي مع مرور الوقت، ومن خلال اعتمادها يتمتع أصحاب الثروات بفرصة أكبر لتحقيق أهدافهم المالية وتأمين استدامة أعمالهم، وذلك بالارتكاز على الاستثمارات طويل الأجل بالشراء ومن ثم الاحتفاظ بالأصول لفترة أطول ما يمنح صاحب الثروة تحقيق عائد محتمل على الاستثمار على المدى الطويل من خلال الاستفادة من أثر العائد المركب على تنمية الثروة.

استشراف المستقبل

ويتحقق الاستشراف الاستراتيجي من خلال مجموعة من الآليات والخطوات اللازمة التي تمكَّن أصحاب الأعمال من جمع المعلومات من مصادر موثوقة والربط بينهما لاتخاذ قرار استراتيجي فيما يتعلق بالمستقبل وتساعد هذه المعطيات والمعلومات الموثوقة على تشكل الأهداف وصياغتها ومن ثم صناعة الرؤى الكبرى وتنبثق منها خطط قصيرة الأمد واستراتيجيات من شأنها المساهمة في صنع قرارات سليمة وحاسمة في آنٍ واحد.

وتوفر الاستراتيجيات طويلة المدى حاجزًا ضد التحديات غير المتوقعة، ومن خلال تنويع عملياتها، تستطيع الشركات توزيع المخاطر وتقليل التعرض لتقلبات السوق، كما أنها تتضمن مبادرات تهدف إلى رعاية بناء العلامات التجارية القوية وتنمية ولاء العملاء، فضلاً عن تنمية المواهب والاحتفاظ بها؛ إذ تمتد الاستراتيجيات طويلة المدى إلى القوى العاملة، فالشركات التي تستثمر في تنمية المواهب وتخلق بيئة عمل مواتية تجتذب أفضل المواهب وتحتفظ بها.

بوصلة الأعمال

وفيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي وما يمثله من مشهد دائم التطور يكاد لا ينقطع، تتضمن الاستراتيجيات طويلة المدى خططًا لتبني ودمج التقنيات الناشئة؛ إذ يعد سعي الشركات للأتمتة والخدمات اللوجستية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بمثابة شهادة على رؤيتها طويلة المدى لتحقيق الكفاءة ورضا العملاء.

فالاستراتيجيات طويلة المدى هي البوصلة التي توجه الأعمال عبر السوق التنافسية، فهي توفر إحساسًا بالاتجاه، وتمكن من التكيف مع الظروف المتغيرة، وتساعد الشركات على إنشاء إرث من النجاح، سواء كان الأمر يتعلق بالاستقرار المالي، أو تخفيف المخاطر، أو بناء العلامة التجارية، أو تبني الابتكار، فإن الإستراتيجية طويلة المدى جيدة الصياغة هي المحرك الرئيسي لنجاح الأعمال، فهي بمثابة التزام بالمستقبل واستشرافًا له، وشهادة على المرونة والتعاطي الإيجابي مع الظروف المتغيرة، وخريطة طريق لتحقيق الأهداف الأكثر طموحًا.

ويختلف طول المدة الزمنية التي تغطيها الخطط اختلافًا كبيرًا فيما بين أصحاب الثروات في مختلف أنحاء العالم؛ وذلك بسبب تميُّز طبائع الأعمال بشكل كبير، إلى جانب اختلاف التوجُّهات الزمانية في المجتمعات المختلفة.

 

مرونة أكبر

وفي الواقع، كلَّما كانت مدة الخطة أطول، كلما ازداد الوعي بحالات عدم اليقين أمام المخططين في معظم الأحيان، نتيجةً لذلك، غالبًا ما تكون الخطط طويلة المدى أكثر إدراكًا للتغيرات المستقبل من الخطط قصيرة المدى، كما أنَّها غالبًا ما تبتعد عن الطابع السريع وتكون ذات تفاصيل ومرونة أكبر مقارنةً بالخطط قصيرة المدى، وذلك بهدف التعامل المناسب مع المواقف المُبهمة (التي لم تتضمّنها الخطّة)، بالإضافة إلى ذلك، تميل الخطط طويلة المدى إلى أن تكون ذات طابع إرشادي وتوجيهي أكثر من غيرها.

وترتبط استراتيجيات المدى الطويل ارتباطًا طرديًا بممارسات الإدارة الاستراتيجية، فلكما كانت الإدارة الاستراتيجية جيدة وتدرك مسارات الوصول للأهداف، كلما تحققت النتائج الإيجابية، إذ يتفوق أصحاب الأعمال الذين يمارسون الإدارة الاستراتيجية في أدائهم عن هؤلاء الذين لا يمارسونها، وذلك للفوائد التي تجنيها من خلال تطبيقهم لهذا المفهوم، كونها تُوفر أهداف واتجاهات واضحة عن مستقبل الأعمال، وتساعد في تخصيص الموارد على أوجه الاستخدامات المتعددة للأنشطة المختلفة، وتُسهم في إعداد وتهيئة أصحاب الأعمال  وتنمية مهاراتهم القيادية من خلال المشاركة في أنشطة الإدارة الاستراتيجية، فضلاً عن دورها في مساعدة المديرين على التحول إلى الأداء المبادر وليس الأداء بردود الأفعال، ومساعدة متخذي القرارات على تحسين جودة قراراتهم، فعدم تطبيق الإدارة الاستراتيجية يؤدي إلى زيادة التكلفة الناتجة عن سوء اتخاذ القرارات، وفشل الإدارة في التعامل مع الملامح المتشابكة للإدارة العامة مثل تصارع القيم، والغموض وعدم التأكد البيئي، وعدم وضوح المعلومات عن الأداء.

 

إدارة واعدة

وإجمالاً يمكن القول إن الإدارة الاستراتيجية إدارة واعدة وذلك للمزايا العديدة التي من الممكن أن توفرها على صعيد الحساسية الملحوظة تجاه الرؤية المستقبلية وتعزيز الاستيعاب والفهم للتغير والتطور المستمرين للبيئة الداخلية والخارجية وتحديد إمكانية الملاءمة بين المنظمة وهذه التغيرات..

وأن الخطة الاستراتيجية بعيدة المدى ما هي إلا أداة إدارية توجه الأعمال إلى أداء أفضل ونجاح طويل الأمد، وإن أُحسن إعدادها وتطبيقها، يعني أن الخطة الاستراتيجية تمتلك حظًا وافرًا فالعمل بالخطة الاستراتيجية يركز الجهود الكلية، ويوحد الفريق في اتجاه واحد، كذلك تساعد على إرشاد المدراء والمسؤولين عند الحاجة لوضع قرارات مصيرية وصعبة متعلقة بالعمل.