4.8 تريليون دولار استثمارات سنوية مطلوبة لتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة عالميًا.
التوسع في مزارع الرياح أسهم في نمو متوقع بنسبة %8.8 في سوق توربينات الرياح.
مشروع “دومة الجندل” لطاقة الرياح أكبر المشروعات في المملكة والشرق الأوسط.
لا صوت يعلو فوق صوت الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية، حيث يدخل العالم في سباق محموم لامتلاك مصادر الطاقة المتجددة، سعيًا إلى تحقيق الحياد الكربوني، والاعتماد على المصادر المستدامة والصديقة للبيئة، في ظل الكفاح العالمي لمواجهة “تغير المناخ”، ليس هذا فحسب، بل أيضًا لتحقيق التنمية الاقتصادية الخضراء وخلق ملايين فرص العمل، من خلال المجالات المساندة، حيث أصبح تسخير قوة الرياح أحد أهم مصادر هذه الطاقة النظيفة، وسط دعم من المنظمات الدولية المعنية، لخطط الدول للانتقال من الاعتماد على الوقود التقليدي إلى زيادة الاستثمارات في الحصول على الطاقة من هذه المصادر الخضراء.
الحياد الكربوني
ويتزايد الاهتمام العالمي بالاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، والذي ارتفع بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الجديدة في هذه المصادر المستدامة عام 2022م وحده، إلى حوالي 495 مليار دولار، بزيادة قدرها %17 مقارنةً بالعام السابق عليه، ومقارنةً بنحو 32 مليار دولار عام 2004م، ما يشير إلى أن الاستثمار في هذه الصناعة قد نضج بشكلٍ ملحوظ، حيث أسهمت السياسات الداعمة لمصادر الطاقة المتجددة والصناعة المتسارعة، وظهور الشركات المدرجة في أسواق المال المحلية والعالمية، في تسريع خطى الاستثمارات العالمية في مجالات الطاقة النظيفة.
وثمَّة تقديرات تشير إلى أن الاستثمارات العالمية في مجال طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية حققت معدل نمو بلغ %17، لتصل إلى 1.8 تريليون دولار عام 2023م، ويمثل هذا الرقم مستوى قياسيًا جديدًا للاستثمار في تحول الطاقة، في عامٍ اتسم بالاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الفائدة وتضخم التكاليف، ورغم ذلك، ليست هذه الاستثمارات كافية حتى تحقق دول العالم الحياد الكربوني بحلول منتصف هذا القرن، وفقًا لما نصت عليه اتقاقية باريس.
وتبين التقديرات أنه لتحقيق هذه الغاية، يجب أن يصل متوسط الإنفاق العالمي على مصادر الطاقة النظيفة إلى 4.8 تريليون دولار سنويًا بين عامي 2024م و2030م، وهذا ما يقرب من ثلاثة أضعاف الاستثمارات الحالية، وأن يحقق معدل نمو في حدود %170، لكن هذه التقديرات أكدت أيضًا ضرورة مواصلة نمو الاستثمارات في سلاسل توريد الطاقة النظيفة العالمية، بما في ذلك مصانع المعدات وإنتاج معادن البطاريات، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار المعدات في معظم هذه القطاعات.
وأضافت التقديرات إلى أن الصين لا تزال في صدارة دول العالم كأكبر مساهم في قطاع الطاقة المتجددة، باستثمارات بلغت 676 مليون دولار، أي ما يعادل %38 من الإجمالي العالمي، في حين بلغت قيمة الاستثمارات في دول أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة نحو 748 مليون دولار في 2023م.
مزارع الرياح
وتتوسع الشركات اليابانية في الاستثمار في مزارع الرياح بالخارج، حيث تمتلك أصولاً لطاقة الرياح البحرية في عدة دول منها، بلجيكا وبريطانيا وتايوان، لكن الحكومة وافقت مؤخرًا على مشروع قانون يسمح بإنشاء مزارع رياح في المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي تزيد مساحتها على عدة أضعاف المياه الإقليمية التابعة لها، وهو ما يدعم طموحات طوكيو بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050م.
وتشير بيانات المجلس العالمي لطاقة الرياح، إلى أن إنتاج اليابان من الطاقة النظيفة المولدة بلغت 136 ميجاوات عام 2022م، وهي بذلك تمثل جزءًا صغيرًا من حوالي 14 جيجاوات في بريطانيا و31 جيجاوات في الصين، حيث تستهدف طوكيو الحصول على 10 جيجاوات إضافية بحلول عام 2030م، و45 جيجاوات قدرات تشغيلية بحلول عام 2040م، لتصل نسبة مصادر الطاقة المتجددة من إنتاج الكهرباء إلى %38-36 نهاية هذا العقد، مقارنةً مع %20 حاليًا.
وفي السياق نفسه، تعتزم المملكة المتحدة منح حوافز مالية للشركات العاملة في مجال محطات الرياح البحرية بدايةً من العام المقبل، في إطار الجهود المبذولة لدعم القطاع وتعزيز الاستدامة وزيادة الاستثمارات في سلاسل توريد طاقة الرياح البحرية.
ويقول محلل سياسات الاقتصاد والأسواق في الجمعية البريطانية لطاقة الرياح، نيك هيبرد، “إذا تم تنفيذ هذه الحوافز بشكل صحيح، فيمكننا دعم التصنيع الجديد وخلق فرص العمل وتشجيع الابتكار، وبناء مشاريع جديدة بشكل أسرع، وخفض التكاليف وتسريع انتقالنا إلى طاقة نظيفة منخفضة التكلفة وتعزيز أمن الطاقة، فضلاً عن تعزيز سمعتنا كواحدة من أكثر الأماكن جاذبية على مستوى العالم للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة”.
وفي الولايات المتحدة، تم الإعلان عن افتتاح أول مزرعة رياح بحرية تجارية تحمل اسم “ساوث فورك ويند” في ولاية نيويورك، بطاقة 132 ميجاوات، تكفي لإمداد 70 ألف منزل بالكهرباء، وقامت شركتا “أورستد” الدانماركية ونظيرتها “إيفر سورس” الأمريكية، بتطوير المزرعة، وهي الخطوة التي اعتبرها مختصون بداية حقيقية لمستقبل واعد لصناعة مزارع الرياح البحرية، حيث يوجد حاليًا مشروعان آخران قيد الإنشاء، وهما مزرعة رياح “فيني يارد” التابعة لشركة “آفان جريد” بطاقة 806 ميجاوات في ولاية ماساتشوستس، والتي تنتج بالفعل الطاقة من خمسة توربينات، ومزرعة رياح “ريفوليوشن” التابعة لشركة “أروستد”، بقدرة 704 ميجاوات والتي ستوفر الكهرباء لولايتي كونيتيكت ورود آيلاند.
هيمنة الطاقة المتجددة
ويدفع الطلب المتزايد على إنشاء مزارع الرياح سواء البرية أو البحرية في مختلف دول العالم، إلى نمو قياسي في سوق تصنيع وتركيب وصيانة توربينات الرياح وخاصة الصغيرة (عادة ما تكون قدرتها أقل من 100 كيلو وات)، وهي المناسبة للأماكن السكنية والتجارية والزراعية، حيث من المتوقع أن تحقق معدل نمو يصل إلى %8.8 عالميًا بحلول عام 2030م، لتصل إلى 17 مليار دولار، في حين من المتوقع أن تحقق سوق توربينات الرياح العائمة معدل نمو يصل إلى %32.5، بقيمة تناهز 31 مليار دولار بحلول عام 2027م، حيث تدفع “رياح التغيير” هذه الصناعة نحو مستقبل تحدده هيمنة الطاقة المتجددة.
وتعد منصات طاقة الرياح البحرية العائمة بمثابة نقلة نوعية في البنية التحتية للطاقة المتجددة، حيث يتم استغلال سرعة الرياح في المناطق السحيقة في البحار والمحيطات، والتي كان من الصعب الوصول إليها في الماضي، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر اخضرارًا واستدامة، فضلاً عن تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، فمناطق مثل أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية أصبحت أكثر اعتمادًا على هذا النوع من مزارع الرياح.
خطوات طموحة
ويتزامن هذا التطور المذهل في سوق طاقة الرياح العالمي مع خطوات عربية حثيثة لمزيد من الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لترسم هذه الطموحات التي تحولت إلى واقع على الأرض، مستقبل أكثر إشراقًا في هذا المجال، إذ تشير تقديرات إلى نمو سوق الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط بمعدل %13.4 سنويًا خلال الفترة (2023م – 2028م).
وفي هذا السياق، أشادت دراسات دولية عدة بالخطوات التي تتخذها المملكة لتنويع سوق الطاقة والاستعداد لمستقبل أقل اعتمادًا على الوقود التقليدي، وأشارت إلى أنه مع تزايد الطلب العالمي على مصادر الطاقة المتجددة والحاجة إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل أصبح أكثر الحاحًا، تقوم المملكة باستثمارات استراتيجية في مشاريع وتقنيات الطاقة المتجددة، من خلال تطوير المصادر النظيفة، والتي من المتوقع أن تلعب دورًا حاسمًا في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في البلاد والحد من بصمتها الكربونية.
ويعد مشروع “دومة الجندل” لطاقة الرياح، من أكبر المشروعات في المملكة والشرق الأوسط، والذي بدأ تشغيله عام 2022م، بطاقة تصل إلى 400 ميجاوات، تكفي لتشغيل 70 ألف منزل بالكهرباء، والذي يعد خطوة مهمة في سبيل تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
وقد وضعت المملكة هدفًا طموحًا لتوليد %50 من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030م، إذ تعمل بنشاط على تشجيع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، فضلاً عن استثمارها في برامج التعليم والتدريب لتزويد المواطنين بالمهارات والخبرات اللازمة للعمل في صناعة الطاقة المتجددة، ويشمل ذلك عقد شراكات مع مؤسسات عالمية وإنشاء مراكز تدريب متخصصة، مثل: مركز تقنيات الطاقة المستدامة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ويبدو أن مستقبل سوق الطاقة الخضراء في المملكة واعدًا، وقد اجتذب التزام البلاد بتنويع مصادر الطاقة اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين الدوليين وشركات الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الجهود الحكومية لخلق بيئة تنظيمية مواتية وتوفير حوافز مالية لمشروعات الطاقة المتجددة على تحفيز النمو في هذا القطاع، فالتقدم الذي تم إحرازه حتى الآن وحرص الحكومة على تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة، يشيران إلى أن المملكة في طريقها لتصبح رائدة على مستوى العالم في مجال الطاقة المتجددة.
وتلعب المملكة دورًا رئيسًا عندما يتعلق الأمر بنمو الطاقة المتجددة والنظيفة في الداخل والخارج، حيث فاز تحالف بقيادة شركة “أكوا باور” بمشروع لإنتاج طاقة الرياح بمنطقتي خليج السويس وجبل الزيت في مصر، بسعة 1.1 جيجاوات، وباستثمارات تصل إلى 1.5 مليار دولار.
وأمام تمتع المملكة بعدد من المزايا، منها الاستثمارات المضطردة في البنية التحتية المتجددة، والطلب القوي في هذا المجال وأهميته الاستراتيجية، حيث تمتلك المملكة حاليًا 13 مشروعًا للطاقة المتجددة قيد التطوير، بقدرات تصل إلى 11.3 جيجاوات، وأيضًا أمام ما وجهته من استثمارات ضخمة في تطوير مراكز الابتكار ذات التقنية العالية التي يمكن أن تكون جذابة للشركات العالمية المهتمة بتطوير التكنولوجيا النظيفة المتقدمة، فإن المملكة تتهيأ لأن تكون مركزًا عالميًا في توليد الكهرباء من الرياح.