المملكة ضخت ما لا يقل عن 12 مليار دولار في مشاريع الألومنيوم المختلفة لتوسيع طاقتها الإنتاجية.
ثمة توقعات بأن تحقق سوق الألومنيوم بالمملكة معدل نمو سنوي %7، وأن تصل قيمتها إلى 2.4 مليار دولار بحلول عام 2026م.
على الرغم من أنه أحد أكثر المعادن وفرةً على وجه الأرض، إلا أنه نادرًا ما يتم العثور على الألومنيوم كمعدن حر، وهذا يعني أن الشركات لا يمكنها فعليًا استخراجه مباشرةً، لكنها تقوم باستخراج البوكسيت، وهو مصدر كبير للألومنيوم، حيث تتم معالجة البوكسيت لتكوين الألومينا، والتي يتم تكريرها بعد ذلك لإنتاج الألومنيوم.
وفي عام 2018م، أضافت الولايات المتحدة الألومنيوم إلى قائمة المعادن المُهمة، ومع ذلك، فإن أكبر اقتصاد في العالم ليس لديه ما يكفي من إمدادات الألومنيوم المحلية لتلبية الطلب الصناعي، مما يعني أنه يجب عليه التحول إلى استيراد احتياجاته من الخارج.
وتشير التقديرات إلى أن إنتاج الألومنيوم العالمي ارتفع بشكلٍ طفيف ليسجل 69 مليون طن متري في عام 2022م، مقارنةً مع 67.5 مليون طن متري في العام السابق عليه، وتتصدر الصين باقي دول العالم في إنتاجه بحوالي 40 مليون طن متري، حيث شهدت نموًا ثابتًا في إنتاجه السنوي الأولي خلال العقد الماضي، تليها الهند بإنتاج بلغ 4 ملايين طن متري متجاوزة روسيا التي تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا، بطاقة إنتاجية 3.7 مليون طن متري، ثم كندا بإنتاج وصل إلى 3 ملايين طن متري.
ومع التطور التكنولوجي الهائل والتقدم الكبير في مجال صناعة مركبات الفضاء، فضلاً عن ازدهار قطاع البناء والتشييد، وصناعة التعبئة والتغليف والطاقة المتجددة، واستخدامه في مجموعة واسعة من المنتجات، شهد الطلب على الألومنيوم ارتفاعًا ملحوظًا، كونه من العناصر الأساسية في تلك الصناعات، ومن ثم خلق فرص استثمارية هائلة، فثمة تقديرات تشير إلى أن العالم بحاجة إلى إنتاج حوالي 34 ألف طن متري إضافي لتلبية نمو الطلب، بزيادة %40 عن معدلات الإنتاج الحالية، ليصل إلى 120 مليون طن متري بحلول 2030م.
فرص استثمارية هائلة
وقد بلغت قيمة سوق الألومنيوم العالمي نحو 162 مليار دولار في عام 2023م، ومن المتوقع أن تصل إلى 285 مليار دولار بحلول عام 2030م، و394 مليار دولار بحلول 2032م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره حوالي %6 خلال الفترة (2024م إلى 2033م)، إلى أن التقدم التكنولوجي في صناعة الألومنيوم يوفر فرصًا استثمارية هائلة، من خلال تعزيز عمليات الكفاءة والاستدامة في الإنتاج، وتقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات أثناء استخراجه، وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت تقنيات إعادة التدوير متطورة بشكلٍ متزايد، مما يسمح باستعادة الألومنيوم عالي الجودة، إذ يتماشى هذا التوجه الذي يركز على الاستدامة مع المبادرات العالمية لخفض البصمة الكربونية وتعزيز الاقتصادات الدائرية.
وكشفت جمعية الألومنيوم الأمريكية، عن ارتفاع الطلب على صناعة الألومنيوم في الولايات المتحدة وكندا بنسبة 4.3% على أساس سنوي بنهاية الربع الأول من عام 2024م، ويأتي ذلك بعد انخفاض يقدر بنسبة %3.9 العام الماضي بعد النتائج القوية في عام 2022م، لافتةً إلى أنه على مدار العقد الماضي، أعلنت الشركات الأعضاء في الجمعية عن استثمارات تزيد على 10 مليارات دولار لعمليات التصنيع المحلية، بما في ذلك ما يقرب من 200 مليون دولار في التصنيع الأمريكي في عام 2024م، وذكرت أن هذا الاستثمار “التاريخي” يرجع لحد كبير إلى الطلب على صناعة التغليف المستدام، والمركبات الآمنة والصديقة للبيئة والمباني الخضراء والبنية التحتية. وقد حظي الألومنيوم، الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الحديد من حيث الطلب العالمي، في السنوات الأخيرة، على اهتمام خاص بسبب وزنه الخفيف وسهولة إعادة تدويره، حيث يتمتع بثقل نوعي يعادل حوالي “ثلث” وزن الحديد، وتبلغ الطاقة اللازمة لإعادة تدويره حوالي %2 من الطاقة المستخدمة في الصهر الكهربائي، فعلى سبيل المثال، فإن زيادة نسبة الألومنيوم المستخدم في تصنيع السيارات من شأنه أن يخفف هياكل السيارات ويحسن كفاءة استهلاك الوقود، ويمكن أيضًا إعادة تدوير الألومنيوم المستخدم سابقًا بشكل متكرر، ومن المتوقع بأن تصل قيمة سوق استخدام الألومنيوم في صناعة السيارات إلى 44 مليار دولار بحلول عام 2032م، وأن تتصدر منطقة آسيا والمحيط الهادي هذه السوق.
أكبر 10 منتجين في العالم
وتعتمد صناعة الألومنيوم في دول مجلس التعاون الخليجي على إنتاج الألومنيوم الجديد، مع إنتاج ضئيل من الألومنيوم المعاد تدويره، وذلك على الرغم من إنتاج كميات كبيرة من خردة الألومنيوم من قطاعات البناء والنقل والتعبئة والتغليف، إذ تعد المملكة والإمارات العربية المتحدة من أكبر الدول المُولدة للخردة، ومع ذلك، يتم تصدير %75 من هذه المواد بشكل أساسي إلى الدول الآسيوية، بما في ذلك الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية وباكستان، فعلى سبيل المثال، استوردت الهند حوالي 313 ألف طن من المملكة والإمارات عام 2023م، حيث تعد الدولتان ثالث ورابع أكبر مصدري تلك المواد إلى الهند، ومع ذلك تتجه الدولتان بشكل أكبر خلال الفترة الأخيرة نحو التوسع في بناء منشآت لإعادة التدوير.
ويمكن القول بأن صناعة الألومنيوم في المملكة تشهد تطورات كبيرة، منذ إطلاق استراتيجية التعدين عام 2018م، وهي الخطوات الرائدة التي تؤكد التزامها بتنفيذ هذه الاستراتيجية، حتى تعطي أولوية كبرى لهذه الصناعة الحيوية.
وتهدف المملكة إلى مضاعفة استثماراتها في صناعة الألومنيوم لتصبح واحدة من أكبر 10 منتجين للألومنيوم في العالم، حيث ضخت ما لا يقل عن 12 مليار دولار في مشاريع الألومنيوم المختلفة لتوسيع طاقتها الإنتاجية، ففي أوائل عام 2023م، وافقت الهيئة الملكية السعودية للجبيل وينبع على خمس اتفاقيات استثمارية بقيمة 11.4 مليار دولار، لإنشاء مشاريع صناعية كبرى في مدينتي ينبع ورأس الخير، في الوقت الذي تتوقع فيه تقارير دولية بأن تحقق سوق الألومنيوم في المملكة معدل نمو سنوي مركب قدره حوالي %7، وأن تصل قيمتها إلى 2.4 مليار دولار بحلول عام 2026م.
وقد شهدت صناعة الألومنيوم في المملكة نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدفوعة بعوامل عدة، أبرزها الاحتياطات الوفيرة للبلاد من البوكسيت، حيث تعد موطنًا لرواسب البوكسيت الكبيرة، خاصة في منطقة “بيشة” والتي اجتذبت الاستثمار في مرافق صهر وتكرير الألومنيوم، بالإضافة إلى ذلك، أدى تركيز الحكومة على التنويع الاقتصادي والتصنيع، وفقًا لرؤية المملكة 2030م، إلى تحفيز الاستثمار في صناعات الألومنيوم، التي تلعب دورًا حاسمًا في الاستراتيجية الوطنية للصناعة، حيث تسهم في خلق فرص العمل، ونقل التكنولوجيا، والتصنيع ذي القيمة المضافة، علاوةً على ذلك، أدى نمو قطاعات الاستخدام النهائي الرئيسة مثل البناء والنقل والتعبئة والتغليف إلى تعزيز الطلب على منتجات الألومنيوم في المملكة.
النفط الجديد
وأعلنت شركة التعدين العربية السعودية “معادن”، عن توقيع اتفاقية مع شركة تصنيع السيارات الكهربائية “لوسيد موتورز”، لتوريد ألواح الألومنيوم عالية الجودة لمصانع الشركة الأمريكية، بهدف توريد ألواح الألومنيوم عالية الجودة لمصانع “لوسيد” في الولايات المتحدة.
وتعمل المملكة على رفع الاستثمارات في قطاع التعدين بشكل عام، وتشجيع المعادن الخضراء، حيث تقوم بتصدير %60 من الألومنيوم في شكل منتجات نهائية عالية الجودة، بحسب بندر الخريّف وزير الصناعة والثروة المعدنية، الذي أكد أن نظام الاستثمار التعديني في المملكة يعد من أفضل الأنظمة على مستوى العالم.
وبشكل عام تعتبر المعادن بمثابة “النفط الجديد” في المملكة، ويمكنها بالفعل إنتاج سلسلة القيمة للألومنيوم بالكامل، حيث يبلغ إنتاج البوكسيت 4.8 مليون طن متري سنويًا، في حين يصل إنتاج الألومينا والألومنيوم الأولي إلى مليون طن متري، إلى أن إطلاق تراخيص التعدين، وتوفير حوافز الاستثمار، والحملات الترويجية في الخارج، جعلت المملكة لاعبًا كبيرًا يتمتع بقوة تفاوضية على الساحة الدولية، فضلاً عن الكميات الهائلة من المعادن وهي الأكبر من تلك الموجودة في القارة الأوروبية.
وأعلنت الهيئة العامة للطيران المدني في مايو 2024م، عن تعاونها مع أكبر شركتين لصنع الطائرات “بوينغ” و”إيرباص” للحصول على الموافقة لاستخدام إنتاج الألمنيوم والتيتانيوم المحلي في طائراتهما، وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تواجه فيه الشركتان الرئيستان لصناعة الطائرات نقصًا متزايدًا في الإمدادات، بما في ذلك الصعوبات في تأمين عديد من المعادن خفيفة الوزن.
وتعد شركة معادن للدرفلة المملوكة بنسبة %100 لشركة معادن، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 460 ألف طن سنويًا، من أكبر الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي، وتوفر باقة متنوعة من منتجات الألومنيوم لقاعدة واسعة من العملاء حول العالم، وفقاً لأحدث التقنيات التكنولوجية العالمية.
ويمكن القول بأن صناعة الألومنيوم في المملكة من المتوقع أن تشهد قفزة نوعية خلال السنوات المقبلة، خاصة الألومنيوم منخفض الكربون، لاسيما مع التوسع في بناء المصانع التي تعتمد على الألومنيوم المعاد تدويره وزيادة الطاقة الإنتاجية للمصانع القائمة، وهذا سيسهم بشكلٍ كبير في زيادة قدراتها التنافسية في تصدير منتجاتها إلى الخارج، وتلبية الاحتياجات المحلية، مما يوفر فرصًا استثمارية هائلة في هذه الصناعة الحيوية.