احتياطي المملكة من اليورانيوم يبلغ 60 ألف طن متري، بنسبة تتراوح بين 5 و%6 من الاحتياطي العالمي.
مشروع تقييم مصادر اليورانيوم والثوريوم يستهدف الاكتفاء الذاتي من مصادر إنتاج الوقود.
“المسح الجيولوجي” فرصة مهمة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتعزيز قطاع التعدين.
“بعد مرور 84 عامًا على اكتشاف النفط في الظهران، يعد اليورانيوم الهدية الثانية التي منحها الله للمملكة، وهو الذي سيغذي اقتصادها ويضيء طريقها إلى المستقبل، لاسيما وأن المملكة لا تدخر جهدًا في تطوير التقنيات المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية)”.
وقد حظي اليورانيوم من بين جميع المعادن كجزء من رؤية المملكة 2030م، باهتمام مكثف نظرًا لقيمته الاستراتيجية في تأمين الوقود النووي المطلوب للمفاعلات النووية المستقبلية، حيث تسعى لاستغلال قدراتها من هذا المعدن الثمين، من خلال خطط وبرامج تنموية رائدة، بشكل يضمن لها استخدامه في توليد الطاقة النظيفة والتصدير للخارج.
قاعدة بيانات جيولوجية
وبحسب معالي وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، فإن المملكة تخطط لتطوير صناعة الطاقة النووية الخاصة بها باستخدام اليورانيوم المحلي، مشيرًا في تصريحاته أمام منتدى معادن المستقبل العام الماضي، إلى أن الدراسات الميدانية الأخيرة أظهرت موارد يورانيوم واعدة في المملكة.
وذكر الخبير الأمريكي، “بايلي ويندر”، أن المملكة تتقدم بخطى ثابتة لتطوير قدراتها النووية لتوليد الطاقة، بفضل علاقاتها المتميزة مع البلدان ذات الصلة، وتوجيه الاستثمارات في هذا المجال، حيث بدأت عملية تقديم العطاءات لأول محطة للطاقة النووية مع الأطراف المهتمة بما في ذلك كوريا الجنوبية والصين وروسيا وفرنسا، كما تعمل مع الحكومة الأمريكية على إطار شراكة لتطوير الطاقة النظيفة.
وقد أشارت مسوحات التنقيب التي أجريت في الفترة (1979م- 1984م)، إلى حدوث تعدين اليورانيوم، وحددت هذه المسوحات 9 مناطق استكشاف مرشحة، مع 35 موقعًا داخليًا، كما كشفت الدراسات عن 5 بيئات جيولوجية مهمة لموارد اليورانيوم، كما تم إطلاق مشروع تقييم مصادر اليورانيوم والثوريوم في المملكة في أبريل عام 2017م، في إطار التعاون بين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة وهيئة المساحة الجيولوجية، حيث يستهدف المشروع تحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر إنتاج الوقود، وتشجيع الاستثمار في تعدين اليورانيوم وتعزيز الخبرة البشرية والفنية المحلية في هذا المجال.
ومن أهم الخطوات الرائدة التي اتخذتها المملكة لاستكشاف مخزونات اليورانيوم وغيرها من المعادن، أطلقت هيئة المساحة الجيولوجية، العام الماضي، أعمال مشروع الخرائط الجيولوجية، بالتعاون مع نظيرتها الصينية، لاستكمال %50 من مسح الدرع العربي بحلول عام 2025م، وهي منطقة تزيد مساحتها على 230 ألف ميل مربع، تقع في غرب المملكة.
جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية
وأشاد الخبير الدولي في قطاع النفط والغاز، “دين ميكلسن”، بإطلاق مشروع المسح الجيولوجي عالي الدقة، معتبرًا أنه إنجاز بالغ الأهمية لهيئة المساحة الجيولوجية، مشيرًا إلى أنه يلقي الضوء على الثروة الجيولوجية والموارد المحتملة لهذه المنطقة الرائعة، مؤكدًا أن البيانات التي تم جمعها ستسهم في التنمية المستدامة للمملكة وتعزيز قطاع التعدين فيها على الصعيدين الوطني والدولي، وفرصة مهمة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وتسعى المملكة من خلال رسم خرائط الموارد المعدنية، إلى بناء قاعدة البيانات الجيولوجية الوطنية وتقديم معلومات أكثر وضوحًا حول فرص الاستثمار المحتملة في التعدين، وعلاوةً على ذلك، أنشأت المملكة منتدى معادن المستقبل لإثارة المناقشات حول التعاون الدولي في هذا المجال، كما يجرى حاليًا إنشاء بورصة للمعادن بالتعاون مع البورصة الأسترالية، وتستمر المملكة باعتبارها وجهة جذابة للمستثمرين الدوليين في هذا المجال.
وفي السياق نفسه، ذكر الخبير الدولي في مجال أمن الطاقة، “إليكس رول”، أن المملكة وكافة دول العالم تدرك جيدًا أن اليورانيوم بمثابة قوة محورية في تشكيل مستقبل الطاقة المستدامة، وأن الطاقة النووية هي حل مستدام ومنخفض الكربون، لتلبية الاحتياجات المتزايدة سواء الداخلية أو الخارجية، فمع وجود 436 مفاعلاً نوويًا صالحًا للتشغيل في جميع أنحاء العالم والعديد من المفاعلات الأخرى المخطط لها أو المقترحة أو قيد الإنشاء (تمثل تكاليف اليورانيوم عادة من 4 إلى %8 من النفقات الجارية لأي محطة نووية)، هناك عجز متزايد في العرض، لذا تسعى كافة الدول إلى تأمين احتياجاتها بغض النظر عن أسعار اليورانيوم التي شهدت ارتفاعًا في السنوات الأخيرة، بسبب الأحداث الجيوسياسية، وتزايد الاعتماد على الطاقة النظيفة.
المملكة واعدة بشكل استثنائي
وكشفت دراسات أولية عن أن احتياطي المملكة من اليورانيوم يبلغ 60 ألف طن متري، تمثل نسبة تتراوح بين 5 و%6 من الاحتياطي العالمي، في حين تشير دراسات أخرى إلى أن المخزون قد يصل إلى 90 ألف طن متري، وتعد كازاخستان وكندا وأستراليا من أكبر الدول في إنتاج اليورانيوم، بحصة تتجاوز نسبة %55.
وقال الرئيس التنفيذي لـ “باريك جولد كورب”، وهي شركة دولية متخصصة في عمليات التعدين مقرها في كندا، “مارك بريستو”، “إن الخلاصة هي أن المملكة واعدة بشكل استثنائي”.
وفيما يتعلق بتقدير أكثر من تريليوني دولار من المعادن في باطن الأرض، أضاف “بريستو”، الذي خاضت شركته مخاطرة في دولة مالي منذ أكثر من 25 عامًا وساعدت في تحويلها إلى منتج ذهبي إفريقي كبير: “هذا رقم يستحق الاستثمار”.
وثمَّة توقعات بارتفاع الطلب العالمي على اليورانيوم ليصل إلى 140 ألف طن بحلول عام 2040م، مقارنةً مع 66 ألف طن عام 2023م، مدفوعًا بتزايد الطلب للحصول على الطاقة من المصادر المستدامة، وخطط العديد من الدول لإنشاء مفاعلات نووية لأغراض تجارية، ومن المتوقع أن تحقق سوق اليورانيوم العالمي معدل نمو سنوي في حدود %7.1 بحلول عام 2027م، ليسجل 1.6 مليار دولار، مع مواصلة أسعاره للارتفاع، حيث يبلغ المتوسط الحالي 84 دولارًا لكل باوند (0.4 كيلو جرام).
وشهدت أسعار اليورانيوم ارتفاعًا كبيرًا بأكثر من %233 خلال الفترة (2021م إلى 2024م)، في حين سجلت أسعار الذهب مكاسب في حدود %75 خلال الفترة نفسها، كما بلغت القيمة الإجمالية لصادرات اليورانيوم الطبيعي العالمية 13.5 مليار دولار أمريكي عام 2023م، وتصدرت كازاخستان باقي الدول بنسبة حوالي %59 (27 ألف طن) من إجمالي الصادرات، تلتها كندا بنسبة %32 (15 ألف طن)، ثم الولايات المتحدة بنسبة %5 (1.6 ألف طن)، أوزباكستان %2.5، روسيا %1.1، أوكرانيا %0.5 (270 طن).
برامج الاستكشاف والتنقيب
وتوقعت دراسات دولية عدة، بأن يتوسع قطاع التعدين في المملكة بشكلً كبير خلال السنوات المقبلة، وأن يلعب دورًا حاسمًا في جهود التنويع الاقتصادي، فوفقًا للمركز الوطني للمعلومات الصناعية والتعدينية، تقدر الثروة التعدينية في المملكة بنحو 2.5 تريليون دولار، مشيرةً إلى أن المسوحات الحالية لمخزونات المعادن وخاصة اليورانيوم ستدعم الاستثمار في قطاع التعدين على مدى السنوات المقبلة.
وأضافت دراسة المركز الوطني، أن الحكومة تبذل جهودًا رائدة في دعم برامج الاستكشاف والتنقيب عن المعادن، بهدف تطوير قاعدة بيانات عن مواردها غير المستغلة، التي توفر فرصًا استثمارية واعدة وجذب الاستثمار المحلي والدولي، في إطار مساعيها لتحويل التعدين إلى الركيزة الثالثة لاقتصاد البلاد، مشيدة بالحوافز التي أعلنت عنها وزارة الصناعة والثروة المعدنية، بالتعاون مع وزارة الاستثمار، والتي تصل قيمتها إلى 182 مليون دولار، لدعم التنقيب عن المعادن في المملكة وتقليل المخاطر التي تواجهها شركات التنقيب في مراحلها المبكرة، فضلًا عن إصدارها 118 ترخيصًا صناعيًا جديدًا في فبراير 2024م، ليرتفع إجمالي عدد التراخيص الصناعية الممنوحة منذ بداية العام إلى 270 ترخيصًا، كما بلغ عدد المصانع العاملة أو قيد الإنشاء في المملكة 11757 مصنعًا.
ويمكن القول إن قطاع التعدين في المملكة يشهد نموًا ملحوظًا، بدعم من الإجراءات والأنظمة الداعمة، حيث تركز المملكة بشكل كبير على زيادة فرص الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع، مع إيلاء اهتمام خاص باستغلال مواردها من اليورانيوم وتعظيم الاستفادة منه لزيادة حصتها من الطاقة المتجددة وتصدير الفائض إلى الخارج، خاصة مع الاهتمام العالمي بالتوسع في مشروعات توليد الطاقة من المصادر النظيفة.