لندرك أن رؤية 2030 كانت أول محاولة جادَّة لإنقاذ اقتصادنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي. فقد كانت هناك عبر السنين ومنذ بداية الطفرة في منتصف السبعينيات، محاولات تفتقر إلى تحديد المسؤولية ودقة المتابعة، كانت محاولات مفتوحة، وبدون راعٍ يقودها ويتابع مسؤولياتها.
ومع بدء وتيرة ارتفاع دخل البترول، أوائل السبعينيات الميلادية، كانت الأمور الاقتصادية تسير بشكل طبيعي. فالبلاد كانت بحاجة ماسة إلى إنشاء بنية تحتية، حسب الأولويات، كالتوسع في بناء مرافق جميع مستويات التعليم والطرق العامة وتنظيم وتمهيد الشوارع في المدن الرئيسة. وكانت كلها مشاريع حيوية وعملاقة، تتطلب وجود مهارات خاصة ومتنوعة وأيدٍ مدربة لم تكن متوفرة آنذاك في المملكة.
وكان لابُد من اللجوء إلى استقدام العمالة الأجنبية من أجل القيام بالأعمال المطلوبة، وانتهى بنا المطاف إلى فتح باب الاستقدام على مصراعيه، دون تحديد للزمن ولا للعدد المطلوب، مما كان سبباً في خلق فوضى استقدام خلَّاقة تعذَّر السيطرة عليها. حتى أنها أصبحت لاحقاً مجالاً للحصول على تأشيرات استقدام لمشاريع وهمية أضرت كثيراً بالتركيبة المجتمعية وأوجدت في بعض الأحوال مجموعة من العاطلين من غير المواطنين. وهو أمر غير طبيعي ولا مقبول.
كان من الممكن حينها، ومنذ البداية، تقنين الصرف على المشاريع وإعداد برامج موازية لتدريب وتأهيل المواطنين للمشاركة في بناء المنشآت وشواغل الخدمات العامة بدلاً من التوسع غير المنضبط في استقدام العمالة الأجنبية. مع مراعاة وضع سلم رواتب للمواطنين يتناسب مع مستوى المعيشة في بلادنا. لكن ذلك أُهمِل تماماً لصالح التوسع المذهل في الاستقدام وتم تهميش دور المواطن في الأعمال الإنتاجية والإنشائية، وحصره في مجال الوظائف الحكومية والأعمال الناعمة. حتى وصلنا إلى مرحلة، قائمة اليوم، لا تشاهد فيها مواطناً واحداً يعمل في حقل الإنشاءات، على ضخامة ما يُصرف عليه، من بناء مساكن وطرق ومنشآت صناعية، باستثناء أعمال العلاقات العامة والحراسة وما شابه ذلك.
مرت بنا ما كان يُطلق عليها الخطط الخمسية، التي كان من أهدافها تنويع مصادر الدخل وتوطين ما أمكن من الوظائف ذات المردود الاقتصادي، ورغم ما أنجزته تلك الخطط من مشاريع حيوية، إلا أنها لم تنجح في بناء اقتصاد إنتاجي بأيدٍ وطنية، كما كان المأمول، مع ضخامة دخل البترول.
ونحن ندرك أن هذا الدخل لن يدوم لنا طويلاً، ولابُدَّ لنا ـ ولا اختيار ـ من الاستعداد لما بعده. وكدنا نفقد الأمل في تنويع الدخل وإحلال المواطن مكان العمالة الوافدة، وهو الذي اعتاد خلال العقود الماضية على خدمات العامل الأجنبي.
ويقيِّض الله لنا رؤية 2030 المباركة لتحرك المياه الراكدة وتمنحنا الأمل، بأنه بإمكاننا مع العزيمة والإرادة تغيير مسار اقتصادنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، بموجب خطة واضحة المعالم ومتابعة شخصية من راعي الرؤية، سمو ولي العهد ـ حفظه الله ـ والمخلصين معه.
ومن أجل ضمان نجاحها، تمت صياغة الرؤية لتكون بنودها قابلة للتعديل والتطوير حسبما يتطلبه الوضع والظروف السائدة، وتحديد زمن الرؤية بـ 2030 لا يعني نهاية العمل بها، بل هي حكمة تهدف إلى تكثيف الجهود من أجل إنشاء أسس قوية لمسار اقتصادنا الجديد.
إذاً، لابُدَّ من اعتبارها نواة لرؤىً مقبلة ومكمِّلة لها، بإذن الله. وإذا كان لنا مطلب من الرؤية الحالية، فإننا نتمنى أن يكون توطين الأعمال ذات المردود الاقتصادي ضمن أولوياتها، مع الأخذ في الاعتبار تدريب وتأهيل المواطنين، ووضع نظم تحفظ حقوق العامل وصاحب العمل، كما نتأمل وجود رغبة لدى أصحاب الأعمال في توطين الوظائف ما أمكن ذلك، مشاركة منهم في استدامة التنمية الاقتصادية في البلاد، وكلهم خير وبركة. ولعل عمليات التخصيص التي هي أحد أهداف الرؤية تساعد في إيجاد وخلق قطاع خاص ذي أسس اقتصادية قوية يتحمل جزءاً كبيراً مما تقوم به حالياً الدولة.