برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية برعاية وليُّ العهد يهدف إلى تحويل المملكة لقوة صناعية رائدة
بناء منصة لوجستية دولية تسهم في طموح زيادة الصادرات لأكثر من 600 مليار ريال في 2030
مشروعات عملاقة وتدشين المنطقة اللوجستية المتكاملة بمطار الملك خالد (ILBZ) نقلة نوعية بمطارات المملكة
67.5 مليار ريال حجم سوق الخدمات اللوجستية في السعودية وتمثل %55 من إجمالي السوق الخليجية
291 رخصة استثمار أجنبي في الربع الثاني من 2019 بزيادة %103 على الربع الأول من العام
الأرقام أكثر صدقاً في الحديث عن الواقع، وغالباً ما تكون هي الأقرب إلى الحقيقة، بلسان لا يلحنُ أبداً ولا ينحرفُ ولا ينسى.. 291 رخصة استثمار أجنبي منحتها الهيئة العامة للاستثمار في ثلاثة أشهر فقط، هي الربع الثاني من العام الجاري 2019.. ما تقوله الأرقام ــ قياساً على معدلات إصدار التراخيص الخاصة بالاستثمارات الأجنبية، ومقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ــ تؤكد نمواً واضحاً في اتّجاه الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، وما تتمتع به البيئة الاستثمارية السعودية من “جاذبية” ومزايا تهم المستثمر الأجنبي.. أما (ما بين السطور في الأرقام) فهو يُشيرُ إلى قطاع الخدمات اللوجيستية الذي مثّلَ النسبة الأكبر من “التراخيص”، كما يشير إلى بيئة استثمارية مُشجّعة، ما يعكس توجها استثماريا بذاته يكشف عن جهود كبيرة وضخمة تتحقق على الأرض في قطاع الخدمات اللوجيستية بالمملكة، وراءها طموح كبير يستمد روح الأداء وطاقته من “رؤية 2030”.. “الاقتصاد” ترصد مستقبل قطاع الخدمات اللوجستية، وفرص النمو والتوسع التي سيشهدها هذا القطاع في السنوات المقبلة.
القفزات العملاقة نحو المستقبل والنجاح الكبير الذي تحققه المملكة في قطاع الخدمات اللوجستية يستحق الانتباه. أما قصص النجاح، وكواليس التخطيط والعمل وراء تحقيق هذا الهدف، فهي عديدة، وتستحق أن تكون محل اهتمام الجميع بكافة توجهاتهم.
ما يجري على أرض الواقع من مشروعات الآن تعزز من إيماننا بالأهمية الكبيرة التي أعطتها “رؤية 2030” للقطاع اللوجيستى في المملكة، وما ينتظره من ازدهار في المستقبل، عبر تحول المملكة إلى منصة لوجستية عالمية، ومحور لربط قارات العالم الثلاث، ومركز رئيس للتجارة، ما يعزز من القوة الاقتصادية للمملكة، خاصة مع مركزها السياسي والاقتصادي الأول في المنطقة.
الاستثمار الأجنبي يتجه للمملكة
تقول الأرقام إن قيمة سوق الخدمات اللوجستية في السعودية تبلغ حاليا 67.5 مليار ريال، تمثل ما نسبته %55 من إجمالي السوق الخليجية، وتحتل المرتبة الثالثة الأكثر جاذبية في الأسواق الناشئة، فيما يتوقع أن يصل حجم القطاع إلى 94 مليار ريال عام 2020، بحسب الهيئة العامة للاستثمار، حيث تتميز المملكة بموقعها الاستراتيجي، بين قارات العالم، وتشكل أهمية كبرى للشركات العالمية العاملة في قطاع الخدمات، والتي تري في موقع المملكة بوابة ذهبية آمنة ومستقرة، للوصول إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وقارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، إلى جانب الإجراءات والخدمات السهلة والبسيطة التي تقدمها المملكة لمختلف الشركات العاملة على أرضها، وهو ما يتجلي بوضوح في النمو الكبير في أعداد الشركات الأجنبية العاملة على أرض المملكة، وغالبيتها تعمل في قطاع الخدمات اللوجستية.
وفي خلال الربع الثاني من عام 2019، أصدرت الهيئة العامة للاستثمار 291 رخصة استثمار أجنبي، بزيادة نسبتها %103 عن الربع الأول من العام ذاته. وتصدرت الشركات البريطانية القائمة بحصولها على 45 رخصة، تليها الشركات الهندية بحصولها على 29 رخصة فالولايات المتحدة الأمريكية بعدد 23 رخصة، بالإضافة إلى اهتمام عدد كبير من الشركات الصينية للاستثمار في المملكة. ومن المرجح تزايد أعداد الشركات الأجنبية العاملة في المملكة خلال الفترة المقبلة، والتي تحتاج أو تقدم الخدمات اللوجستية وخدمات النقل الجوي والبحري والبري إلى دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط والهند والصين وإفريقيا وجنوب أوروبا، للاستفادة من المميزات الاستثمارية لمنطقة “الخمرة” اللوجستية التي طرحتها الهيئة العامة للموانئ “موانئ” مؤخراً أمام المستثمرين عبر نظام التأجير، والتي تعد أكبر منطقة لوجستية متكاملة في المملكة، بمساحة تتجاوز 2 مليون متر مربع وبمسطحات قابلة للتطوير تتجاوز مليون متر مربع في مرحلتها الأولى، وتتميز المنطقة بقربها من خطوط التجارة الدولية وبموقعها الاستراتيجي في جنوب محافظة جدة وعلى مقربة من ميناء جدة الإسلامي، بالإضافة إلى امتدادها على ساحل البحر الأحمر، والذي يعد معبراً رئيسياً لحركة التجارة البحرية العالمية وبنسبة تزيد على %13، فإن منطقة الخمرة اللوجستية ستكون جزءاُ حيوياً من طريق الحرير البحرية، ضمن مبادرة الحزام والطريق، مما سيساهم في جعلها منصة لوجستية عالمية، ومحوراً رئيساً يربطها بالشرق الأوسط وبقارتي أوروبا و إفريقيا. وتعد منطقة “الخمرة” جزءاً من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يهدف إلى خلق 1.6 مليون وظيفة وجذب استثمارات بقيمة 1.6 تريليون ريال على مدى السنوات العشر القادمة. ومن بين ذلك 135 مليار ريال مخصصة للاستثمار في قطاع الخدمات اللوجستية، تماشياً مع ركائز وأهداف رؤية السعودية 2030.
كفاءة نقل السلع
حجم صناعة الخدمات اللوجستية في العالم يقدر بنحو 4.3 تريليون دولار، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي عرف الخدمات اللوجستية بأنها شبكة الخدمات التى تدعم الحركة المادية للبضائع داخل الحدود وعبرها، وتضم مجموعة من الأنشطة من بينها النقل والتخزين والوساطة والتسليم السريع وعمليات المحطات النهائية وحتى إدارة البيانات والمعلومات، وتعد درجة كفاءة نقل السلع عبر هذه الأنظمة إلى وجهاتها النهائية عنصرًا رئيسيًّا فى إتاحة الفرص التجارية للبلد.
وتحتل السعودية المركز الـ 55 عالميا في مؤشر البنك الدولي للخدمات اللوجستية لعام 2018، في القائمة التي ضمت 160 دولة من جميع أنحاء العالم. وجاءت في المراكز العشرة الأولى كل من ألمانيا، السويد، بلجيكا، النمسا، اليابان، هولندا، سنغافورة، المملكة المتحدة، فنلندا والدنمارك على التوالي، ووفقاً لتقديرات البنك الدولي بلغت قيمة سوق الخدمات اللوجستية نحو 4.3 تريليون دولار، وتمثل أساس التجارة العالمية وتحدد إمكانية مشاركة الدول في الاقتصاد العالمي.
دعم القيادة الرشيدة
يحظى القطاع اللوجستيي باهتمام كبير ضمن أهداف “رؤية 2030” في جعل المملكة مركزا لوجستيا عالميا، يعتمد بشكل رئيس على النقل بقطاعاته المختلفة بمشاركة القطاعين العام والخاص، ويعزز من فرص تحقيق ذلك ما شهدته المملكة في الفترة الأخيرة من تدشين ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ويمثل ذلك تأكيدًا على الرعاية الملكية لدعم القطاع، وتعظيم دوره التنموي والاقتصادي للمنطقة، وليكمل مع مجموعة الكيانات التي تسعى إلى بناء منصة لوجستية ذات كفاءة عالية تسهم في تحقيق طموح البرنامج لزيادة الصادرات لتبلغ أكثر من 600 مليار ريال بحلول عام 2030، حيث يصبو البرنامج إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية دولية، في عدد من المجالات الواعدة (مع التركيز على تطبيق تقنيات الجيل الرابع للصناعة)، وذلك على نحو يسهم في توليد فرص عمل وافرة للكوادر السعودية، ويعزز الميزان التجاري، ويعظم المحتوى المحلي.
ويركز البرنامج على أربعة قطاعات رئيسة هي الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية. يعمل البرنامج على تصميم وتوفير مجموعة من الممكنات الضرورية التي تشتمل على تطوير الأنظمة المناسبة، وتوفير التمويل المطلوب، وتطوير البنية التحتية والأراضي الصناعية والمناطق الخاصة، والتوسع في تطبيق إجراءات الرقمنة، وتعزيز عمليات البحث والابتكار والتدريب، ورفع كفاءة الكوادر المتاحة، وما إلى ذلك. ووفقا لتقرير للهيئة العامة للاستثمار، فإن موقع السعودية عند مفترق طرق تجارية دولية مهمة تربط آسيا وأوروبا وإفريقيا، يعد الأمثل لتوزيع السلع على مستوى دول المنطقة وكذلك دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يبلغ إجمالي ناتجها المحلي 9 تريليونات ريال ويقطنها 647 مليون مستهلك. وذلك علاوة على وقوع السعودية على طريق آسيا – أوروبا التجاري، الذي يشهد عبور %12 من تجارة الحاويات العالمية سنويا.
“الخمرة” إلى منصة لوجستية عالمية ومحور رئيس لتجارة الشرق الأوسط وتربطها بقارتي أوروبا و إفريقيا
الشركات البريطانية تصدرت قائمة تراخيص الاستثمار الأجنبي بـ 45 رخصة تليها الهندية بـ 29 رخصة فالولايات المتحدة بـ 23 رخصة
توقعات بوصول حجم قطاع الخدمات اللوجستية إلى 94 مليار ريال في 2020
استثمارات قيمتها 1.6 تريليون ريال و1.6 مليون وظيفة أبرز أهداف برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية
تقليل المدة الزمنية
تمتاز السعودية بتوافر بنى تحتية راسخة للخدمات اللوجستية، وهي بنية مجهزة على النحو الأمثل، إضافة إلى ما تشهده من تطوير مستمر بما يواكب سوقا سريعة التوسع. ووجهت الحكومة في الفترة الأخيرة جهودا كبيرة نحو نمو هذا القطاع من خلال الإصلاح التنظيمي والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للخدمات اللوجستية، إضافة إلى انضمام السعودية لاتفاقية النقل البري الدولي بنظام “تير” الذي يشمل 70 بلداً، ويعمم الإجراءات الجمركية على الحدود لتقليل الأعباء الإدارية وتقليل المدة الزمنية لفسح البضائع.
ويعزز فرص تحول المملكة لمنصة لوجستية عالمية نجاح المنصات الخاصة بتسهيل العمليات اللوجستية كمنصات “فسح”، و”بيان”، و”تبادل” و”وصل”. وكذلك الأهداف التي تسعى إليها هيئة النقل العام ضمن “رؤية المملكة 2030″، والتي تتمثل في إيصال البضائع بكفاءة وتكلفة مقبولة، وسرعة كبيرة، إضافة إلى الخطة الطموح ضمن رؤية 2030 لإنشاء خطوط سكك حديدية بطول 2000 كم لتسهيل عمليات النقل والإمداد في كافة أنحاء الدولة، مما يعزز فرص تحول المملكة إلى منصة لوجستية عالمية. ووفقا لأحدث الإحصاءات الصادرة من الهيئة العامة للموانئ فقد بلغ إجمالي أطنان البضائع المناولة في الموانئ السعودية التي تشرف عليها الهيئة خلال شهر سبتمبر لعام 2019م، نحو 21.4 مليون طن، فيما بلغ إجمالي أعداد الحاويات الصادرة والواردة أكثر من 567 ألف حاوية، بنسبة زيادة بلغت %11.27، وذلك مقارنة بالمدة المماثلة من العام 2018. كما بلغ عدد السفن التي استقبلتها الموانئ السعودية خلال نفس الشهر، 1.051 سفينة، وبلغ عدد الركاب 96 ألف راكب، فيما بلغ عدد العربات 69 ألف عربة، بينما بلغ عدد المواشي 401 ألف رأس من الماشية. وتشرف الهيئة العامة للموانئ على 9 موانئ و332 رصيفا بحريا، وتصدر %35 من الصادرات غير النفطية السعودية.
التقدم اللافت في منظومة الخدمات اللوجستية في المملكة انعكس في تحقيق الموانئ السعودية تقدماً كبيراً في المؤشرات العالمية، وذلك بعد نجاح الهيئة العامة للموانئ “موانئ” بالتعاون مع الهيئة العامة للجمارك في تنفيذ العديد من الإصلاحات والمبادرات التي ساهمت في تقدم ترتيب المملكة بتخطّي 72 مركزاً عن العام الماضي في مؤشر التجارة عبر الحدود، فتقدمت من المرتبة 158 إلى المرتبة 86 وذلك ضمن تقرير ممارسة الأعمال 2020 الصادر من مجموعة البنك الدولي. ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات النوعية التي عملت عليها الهيئتان، مبادرة فسح الحاويات خلال 24 ساعة في الموانئ السعودية، وتقليص مدة بقاء الحاويات في الموانئ من 14 يوماً في عام 2016م إلى أقل من 5 أيام في عام 2019م، مستهدفة الوصول إلى 3 أيام خلال عام 2020م، بالإضافة إلى تقليص فترة إعفاء أجور التخزين في الموانئ من 10 أيام إلى 5 أيام. كما شملت تلك الإجراءات أيضاً تقليص عدد المستندات المطلوبة للاستيراد من 12 مستنداً إلى مستندين فقط، وتقليص مستندات التصدير من 9 إلى مستندين فقط، بالإضافة إلى إتاحة تقديم البيانات إلكترونياً، وتقديم خدمة الفسح المسبق للشحنات، كما تم تطبيق مفهوم النافذة الواحدة من خلال نظام فسح وربط جميع المستفيدين في منصة واحدة لإنهاء جميع الإجراءات إلكترونياً.
مشروعات عملاقة
تعتبر الموانئ عنصراً أساسياً في دعم وتيسير عمليات الاستيراد والتصدير والخدمات اللوجستية في المملكة لجعلها أكثر سلاسة ومرونة وتنافسية، ووفقا لتوجيهات القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان “حفظهما الله” عملت حكومة المملكة خلال الفترة الماضية على إطلاق العديد من المشروعات التنموية الجديدة للاستفادة المثلى من الطاقات الاستيعابية في الموانئ السعودية، وكذلك تطوير البنى التحتية والتوسع في إنشاء المحطات والأرصفة البحرية، إلى جانب تطبيق مؤشرات قياس الأداء التشغيلي لرفع كفاءة وجودة خدمات الموانئ، وتقليص مدة بقاء ودوران الحاوية في الميناء، فضلاً عن هندسة الإجراءات والاشتراطات وتطوير الأنظمة وأتمتتها إلكترونياً، تماشياً مع ركائز رؤية السعودية 2030 عبر جعل المملكة منصة لوجستية عالمية ومحوراً لربط قارات العالم الثلاث ومركزاً رئيساً للتجارة.
كما قطعت المملكة شوطا كبيرا في تطوير قطاع النقل الجوي بما يتناسب مع جعل المملكة منصة لوجستية عالمية ومحوراً لربط قارات العالم الثلاث ومركزاً رئيساً للتجارة خاصة وأن قطاع الطيران المدني في المملكة له تأثير مباشر على الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوافر في المملكة 28 مطاراً، منها 15 لاستقبال الرحلات الدولية، وتستقبل المملكة سنويا أكثر من 100 مليون مسافر، وتعد نسبة نمو قطاع الطيران المدني بالمملكة هي الأعلى في المنطقة بمعدل %8 سنوياً للسنوات السابقة. ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة عددا من المشاريع والخطط التى ستساهم في جعل المملكة منصة لوجستية عالمية، وفي طليعتها تدشين المنطقة اللوجستية المتكاملة بمطار الملك خالد الدولي بالرياض (ILBZ) والتي ستكون نقلة نوعية وبداية للمنصات اللوجستية بمطارات المملكة.