الحقيقة أن العولمة ساهمت في انتشار الأوبئة وارتفاع تكلفتها الاقتصادية في عصرنا الحالي. ففي الوقت الذي شهدت فيه العولمةُ عصرها الذهبي، منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد شهد العالم توسعًا كبيرًا ومتسارعًا في النشاط الاقتصادي، وازدهارًا غير مسبوق في الحركة الدولية للبضائع والسلع ورؤوس الأموال، وشهد كذلك مرونة كبيرة في حركة البشر عبر الحدود الدولية.
وبينما تتمتع مناطق عديدة من العالم بارتفاع في مستوى الرعاية الصحية والرخاء، فإن مناطق أخرى تعاني تراجعًا شديدًا في تلك المؤشرات بسبب الفقر وضعف الموارد، أو بسبب الحروب التي تدمر البنى التحتية للقطاع الصحي بها. وفي الوقت الذي تصبح فيه المناطق الفقيرة ومناطق الحروب تربة خصبة لتفريخ الفيروسات ونشأة الأوبئة، فإن البشر ينقلون تلك الفيروسات والأوبئة في سفرهم من هناك إلى باقي مناطق العالم، بما فيها مناطق الرخاء والرعاية الصحية المتقدمة، مستفيدين في ذلك من حرية الحركة والسفر بين الدول كإحدى ميزات العولمة. وهذا لا يمنع أيضًا حدوث حالاتٍ لنشأة الأوبئة في مناطق الرخاء، ثم انتقالها إلى باقي مناطق العالم أيضًا، عبر نفس القنوات المنتجة بفعل العولمة.
بكلمات أخرى، فإن ما يستفيده الاقتصاد العالمي من انفتاح في ظل العولمة، من خلال جعل انتقال البشر والأيدي العاملة أكثر سهولة ويسرًا، فهو يُعد في الوقت ذاته قناة لنقل الفيروسات بين الدول، وتحولها إلى أوبئة عالمية في أيام معدودة، وهذا ما يمكن وصفه في انتشار فيروس كورونا في الصين والدول الأخرى.
شقت الصين الطريق إلى المنافسة العالمية في فترة وجيزة لا تتجاوز الأربعة عقود، حيث نمت تبادلاتها التجارية مع الدول الصناعية الأخرى المتقدمة بدرجة كبيرة، جعلت الميزان التجاري في صالحها. الحكومة الصينية والقطاعات الصناعية والتجارية في القطاع الخاص في سباق محموم مع الولايات المتحدة التي تعد أكبر شريك تجاري مع الصين منذ أكثر من ثلاثة عقود.
الولايات المتحدة تشعر أن الصين تكتسح العالم بمنتجاتها المنافسة للمنتجات الأمريكية من حيث السعر وربما في جودة بعضها، لذلك تنامت في السياسة الأمريكية الرغبة في الضغط على الصين للحد من توسعها في الاقتصاد العالمي. تشعر الولايات المتحدة أن الصين لا تمارس المنافسة العادلة التي تقوم على سياسة عدم التمييز وحرية النفاذ إلى السوق الصينية، بل إن الصين تمارس الإغراق التجاري في السوق الأمريكية ما كبّد الاقتصاد الأمريكي إفلاس بعض الشركات بسبب السياسات الصينية التي تهدف إلى خنق المنافسين سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو من اليابان أو من الاتحاد الأوروبي.
يعتقد البعض أن ما يجري في الصين الآن من وباء فيروس كورونا، كان بخطة ومؤامرة من الولايات المتحدة لإلحاق الضرر باقتصاد الصين للحد من منافسته في الأسواق العالمية. وللعلم فإن العالم اليوم قرية اقتصادية صغيرة لا تتحمل مثل هذه المؤامرة، لأن انتشار هذا الوباء في الصين ستكون له عواقب على العالم كله بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية المتهمة بنظرية المؤامرة من قبل بعض المحللين الاقتصاديين والسياسيين. لم يصدر حتى هذه اللحظة أي اتهام موجه من الصين بخصوص فيروس كورونا، لكن المحللين الاقتصاديين والسياسيين يحاولون السبق بنظرية المؤامرة ضد الصين.
لا يمكن أن نسلّم بصحة نظرية المؤامرة لتفسير ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، لكن بعض المتخصصين في هذا المجال يعتقدون أن الصين تعمل في مختبراتها تجارب في هذا المجال ما ساهم في تسرب الفيروس عن طريق الخطأ. وفي كل الأحوال لابد للصين أن تتحمل المسؤولية كاملة لمنع انتشار الفيروس خارج مدينة ووهان والعمل على إدارة الكارثة بعناية عالية.
ويقدر صندوق النقد الدولي تكلفة الأمراض الوبائية على الاقتصاد العالمي بين 500 إلى 570 مليار دولار سنوياً. وأتوقع أن تتجاوز التكلفة لعام 2020 تريليون دولار، معظمها تكلفة على الاقتصاد الصيني. وقد تتجاوز أكثر من تريليون دولار إذا استمرت أزمة فيروس كورونا لثلاثة شهور أخرى.