نافذة

ابتسم لجوالك

طلبت ابنتي الصغيرة ساعة ذكية جديدة، فذهبت لأحد مواقع التجارة الإلكترونية، وأعجبني مواصفات إحداها، لكن عندما وجدت السعر مبالغًا فيه تقطب جبيني، ويبدو أن ذلك كان ظاهرًا للجوال ففوجئت به ينقلني لموقع آخر يبيع نفس الساعة بسعر أقل بنسبة %30، وتمت عملية الشراء، وهنا ابتسمت للجوال.

هذا ما يعكف عليه المتخصصون في تدريب الآلات لقراءة مشاعر المستخدمين من بني البشر، وذلك باستشعار وقراءة انفعالات وتعبيرات الوجه وفهمها وتحليلها والاستجابة لها في مجالات كثيرة، مثل التعليم عن بُعد والرعاية الصحية والنقل وتحليل الإعلانات بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والاقتصاد بشكل عام.

يمكن الآن للآلة التعرف على الحالة العامة للشخص، سواء كان سعيدًا، غاضبًا، مندهشًا، مُحبطًا، أو خائفًا من خلال برمجية تبحث عن الخطوط والأخاديد الناجمة عن التعبيرات المختلفة بالوجه، ليتعرف على الشعور الإنساني، مع أخذه بالاعتبار، التنوع العِرقي والثقافي من بلد لآخر.

فقد تم تجميع 9 ملايين وجه من عينات الوجوه، من خلال متطوعين في شتى أنحاء العالم، وقاموا بتسجيل مختلف تعبيرات وجوههم لبناء قواعد بيانات ضخمة لتجميع أكثر من 12 مليار نقطة تعبير وجه، وبالتالي رقمنة هذه التعبيرات وتسهيل قراءتها من خلال الجوال والكمبيوتر، وتمييز الحالة التي يمر بها المستخدم، من خلال أنماط قياسية وصلت حتى الآن إلى 25 نمطًا.

تغطي هذه التقنيات الحديثة مجالات متعددة، ففي مجال الصحة، ساعدت الأطفال المصابين بالتوحد على قراءة مشاعر من حولهم، كما أن ساعتك الذكية تخبرك اليوم بحالتك المزاجية، وفي مجال قياس مردود الإعلانات، تساعد هذه التقنية على معرفة هل سيشتري المستخدم أم يكتفي بمطالعة الإعلان أو مشاركته بدائرة معارفه وأصدقائه؟، وعلى ضوء تحليل الاستجابة يمكن للشركة تعديل الإعلان ليكون أكثر تأثيرًا.

في مجال السيارات، يمكن ـ بعد قراءة انفعالات السائق ـ تنبيهه في حالة الغفوة أثناء القيادة، أو جعل السيارة تهدئ من سرعتها إذا كان مُتعبا أو مُشتتا أو مُنشغلا بالتفكير، وربما تضفي بعض البهجة على الركاب إذا اتضح لهذه التقنية إجهادهم من طول السفر أو عبوسهم ببعض الأوقات.

وبمجال التعليم أونلاين، ففي المستقبل القريب ستتمكن الآلة من معرفة شعور الطالب إن كان متحمسًا لتلقي المزيد من الدروس أو يشعر بالضجر، وإذا كان الحضور عددًا كبيرًا ستأخذ المتوسطات وتقرر الاستمرار بالتدريس أو أخذ راحة مناسبة. أما في مجال الألعاب الإلكترونية المنتشرة بين أوساط الشباب، فقراءة الانفعالات والصياح والإثارة التي تتملكهم أثناء اللعب، ستمثل كنزًا لدى مصممي هذه الألعاب لتطوير برامج أكثر ملاءمة للمستخدمين. قريبًا ستنضم شرائح أخرى مثل مرضى الشلل الرعاش وجراحي التجميل والممرضين عن بعد للاستفادة من هذه التقنيات.

أنسنة التقنية لم تعد حُلما بعيد المنال، ولنعمل بها قبل أن تنزع هي إنسانيتا. وربما ستتضمن جوالاتنا في المستقبل القريب شريحة مشاعر، ولن يُفتح باب الثلاجة ولن يعمل جهاز التكييف إلا بابتسامة، وإذا حاولت العبوس أمام شاشة الجوال، سيخاطبك قائلا: ماذا بك؟ ماذا يُغضبك؟.

ابتسم لكل من تقابله ولا تنس أن تبتسم أيضاً لجوالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.