وانطلق قطار الصادرات..
شراكات استراتيجية واتفاقيات تصل بالصادرات السعودية إلى أرقام قياسية
جهود حثيثة لتنمية الصادرات تثمر عن مستويات غير مسبوقة
الصادرات غير النفطية تُحقق أعلى رقم في تاريخ الصادرات السعودية بواقع 255 مليار ريال
وصل عدد الشركات في برنامج “صُنِع في السعودية” إلى أكثر من 900 شركة بمنتجات مسجلة تجاوزت ألفي منتج
بنك الصادرات يكمل منظومة التمويل في الأسواق الخارجية ذات المخاطر العالية
تسعى المملكة بخدمة المناقصات الدولية إلى أن يكون لها موطئ قدم في المنافسات العالمية
قطاع الأغذية يشهد ارتفاعًا في النصف الأول للعام الماضي بنسبة %9 مقارنة بعام 2020م
لم تعد التوجهات التصديرية للدول مجرد خيار يمكن الاستعاضة عنه ببدائل وخيارات أخرى، لكنه بات ركيزة بالغة الأهمية لأغلب الدول التي تسعى لتطوير اقتصاداتها وزيادة معدلات نموها وتوفير فرص العمل، وهو الأمر الذي أدركته جيدًا المملكة في إطار مساعيها لتطوير الهيكل الاقتصادي ككل وتنويع صادراتها، حيث تهدف إلى زيادة الصادرات غير النفطية في عام 2030م من %16 إلى %50 على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
وقد اهتمت الجهات والهيئات المعنية بالتحديات التي تواجه التصدير وسعت إلى تقديم معالجات متعددة لتذليلها، ويدخل ضمن ذلك تشكيل لجنة حكومية من عدة وزارات وهيئات لحصر هذه التحديات، التي تواجه الصادرات إلى الخارج، وتحديد مدى توافقها مع التزامات تلك الدول في الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية ذات الصلة، للوصول إلى آلية لمواجهة تلك التحديات وكيفية معالجتها.
حصر التحديات
وقادت وزارة التجارة فريق عمل يضم ممثلين من وزارة المالية وهيئة الجمارك وهيئة تنمية الصادرات السعودية اتحاد الغرف السعودية، في رحلة لإدراك أهمية التواصل مع الشركات المصدرة لمعرفة احتياجاتها، حيث تم حصر التحديات التي تواجه المصدرين، تبين وجود أكثر من 65 تحديًا، منها تحديات داخلية، تتمثل في إجراءات أو رسوم وغيرها، وتحديات خارجية مثل فرض رسوم جمركية أو اشتراطات معينة للصادرات إلى بعض الدول، الأمر الذي جعل الهيئة تعمل على تذليل تلك العقبات.
مستويات تاريخية
على الرغم من أزمة كورونا، وهى الأزمة التي هزت الاقتصاد العالمي، وتسببت في تدهور اقتصاديات الدول حول العالم، فإن الصادرات السعودية غير النفطية شهدت تحسنًا كبيرًا، فبعد أن سجلت الصادرات غير النفطية أعلى قيمة نصفية في تاريخها للنصف الأول من عام 2021م بارتفاع يقدَّر بنسبة %37 محُققةً نحو 125.3 مليار ريال، فإن هذا الارتفاع استمر لتصل الصادرات غير النفطية خلال العام المالي لـ (2020م/2021م) إلى نحو 255 مليار ريال وهو أعلى رقم في تاريخ الصادرات السعودية، احتلت فيه صادرات المملكة من قطاع الأغذية نصيبًا كبيرًا والذي شهد بحسب، هيئة تنمية الصادرات ارتفاعًا بواقع %9 مقارنة بالمدة نفسها من عام 2020م.
النفاذ إلى الأسواق
وتوجد العديد من العوامل، التي دفعت الصادرات السعودية إلى الوصول إلى هذه المستويات غير المسبوقة، على رأسها الجهود المبذولة والتنسيق بين العديد من الوزارات والجهات ذات الصلة.
وقد تم وقد تم في نوفمبر 2021م توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة تنمية الصادرات السعودية والهيئة العامة للتجارة الخارجية، بهدف توطيد التعاون والتواصل بين الطرفين على المستويين الاستراتيجي والتنفيذي، ودعم تحقيق الأهداف الاستراتيجية لبرنامج “صُنِع في السعودية”، وهو ما يحقق تنوعًا في التجارة الخارجية، ويسهم في تعزيز مكاسب المملكة التجارية والنفاذ إلى الأسواق المستهدفة.
وتأتي تلك المذكرة، في إطار المساعي الحثيثة لهيئة تنمية الصادرات السعودية، من أجل توفير الفرص والأسواق التصديرية الملائمة، وذلك بإعداد أدلة النفاذ إلى الأسواق ودراسات الأسواق وحل مشكلات عمليات التصدير للخارج، فضلاً عن رفع الوعي وتنمية الكفاءات البشرية بمجال التصدير.
جهود واتفاقيات
وكذلك تقديم خدمات دعم التصدير وتطوير قدرات التصدير لدى المنشآت بالمملكة، وتوفير الاستشارات لتحسين القدرات التصديرية للمنشآت المستهدفة، والترويج للمصدرين ومنتجاتهم بالمشاركة في المعارض الدولية، وتيسير ربط المصدرين مع المشترين والشركاء المحتملين، من خلال البعثات التجارية واللقاءات الثنائية على هامش المعارض الدولية، فضلاً عن التوسع في توقيع الاتفاقيات المُحفزة للمصدرين، كتلك الاتفاقيات الثلاث التي وقعها بنك التصدير خلال القمة السعودية السنوية التاسعة للتمويل التجاري في منتصف نوفمبر 2021م، بقيمة 118 مليون دولار، وشملت اتفاقية لتأمين تعزيز الاعتمادات المستندية مع البنك السعودي البريطاني قيمتها 63.5 مليون دولار، وهي تتيح للبنك البريطاني رفع قدراته لقبول وزيادة تعزيز الاعتمادات المستندية لصالح الصادرات السعودية، وأُخرى كإتفاقيات خطوط ائتمان مع بنك المال الأردني والمصرف الأهلي العراقي بقيمة إجمالية 55 مليون دولار لدعم مستوردي السلع والخدمات والمنتجات السعودية في السوقين الأردني والعراقي.
مبادرة تعزيز الصادرات
وتتعدد تلك الجهود المبذولة على مستوى المملكة، منذ سنوات من أجل زيادة القدرات التصديرية بالتعاون بين كافة المؤسسات والجهات المعنية، ففي يناير 2019م أطلقت هيئة تنمية الصادرات مبادرة “تعزيز تمويل الصادرات”، ضمن خطة تحفيز القطاع الخاص، حيث صدر الأمر السامي باعتماد مبلغ خمسة مليارات ريال للمبادرة، كجزء من رأس مال بنك الاستيراد والتصدير السعودي.
وتجلت أهمية تلك المبادرة باعتبارها تؤدي دورًا هامًا في تمويل المصدرين لتنفيذ عمليات التصدير، التي قد يرافقها عجز مالي في تنفيذها، كما توفر المبادرة تمويل ما قبل الشحن، وكذلك توفير “تأمين الصادرات”.
بنك الصادرات
وفي العام 2020م تم تدشين وتأسيس بنك الاستيراد والتصدير السعودي كخطوة هامة لتطوير القدرات التصديرية الوطنية، وتمويل المشروعات الخارجية ذات المحتوى المحلي، وتعزيز تنمية الصادرات وتنويعها، من خلال توفير خدمات تمويل الصادرات، والضمان وتأمين ائتمان الصادرات بمزايا تنافسية، وسد فجوات الخدمات المالية المقدمة، وخاصة لقطاع التصدير.
وهكذا، فإن تأسيس بنك الصادرات لم يكن الهدف منه أن يكون منافسًا للبنوك التجارية، ولكن لكي يكون مكملاً لمنظومة التمويل في الأسواق الخارجية، وهو ما أكدته هيئة الصادرات السعودية، عندما كان البنك في طور تجهيز بناه التحتية، بأن بنك الصادرات لن ينافس البنوك التجارية، وسيكمل منظومة التمويل في الأسواق الخارجية ذات المخاطر العالية، التي لا تمولها بعض البنوك التجارية.
وقد تم بالفعل من خلال البنك إطلاق منتجات تأمينية للمؤسسات المالية والمصدرين المحليين، كما تم توقيع أول اتفاقية إعادة تأمين مع المؤسسة الإسلامية لتأمين استثمار الصادرات، وهي إحدى مؤسسات البنك الإسلامي، كما تم تقديم عدد من المنتجات لتمويل المصدرين بالتعاون مع صندوق التنمية الصناعية.
شراكة استراتيجية
ومن بين الاتفاقيات الهامة لدعم الصادرات، توقيع اتحاد الغرف السعودية وهيئة تنمية الصادرات السعودية في ديسمبر 2020م، مذكرة تعاون لبناء شراكة استراتيجية بينهما، تهدف لدعم وتعزيز الصادرات غير النفطية، من خلال تحسين كفاءة بيئة التصدير وتحفيز المصدرين وتشجيع المنتجات السعودية في الأسواق الدولية.
ووفقًا لتلك المذكرة فقد شمل نطاق التعاون المساهمة في الترويج للمنتج الوطني في الأسواق الدولية، وتحسين وتحفيز بيئة التصدير، وتذليل المعوقات التي تواجه المصدرين السعوديين، فضلاً عن تمكين المصدرين، من خلال مجالس الأعمال السعودية الأجنبية والوفود التجارية الزائرة والمغادرة، وعقد لقاءات دورية بين هيئة تنمية الصادرات السعودية ومجالس الأعمال السعودية الأجنبية، وعقد البرامج والندوات والدورات وورش العمل والتعاون في مجال إعداد البحوث والدراسات، بما يدعم زيادة الصادرات.
صُنع في السعودية
ومن البرامج الرائدة والمرتبطة باستراتيجية دعم الصادرات، برنامج “صنع في السعودية”، الذي جاء برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، وانبثق من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، كأحد أكبر برامج رؤية المملكة 2030م التنموية، وأكد وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، عند إطلاقه أنه برنامج يُعزز ثقافة الولاء للمنتج الوطني، وأنه صُمم بناءً على دراسة لتجارب عدد من الدول، التي حققت نجاحات نوعية في تنمية قدراتها الصناعية، وذلك بحثِّ مواطنيها وغرس روح الولاء للمنتج الوطني، وإعطائه الأولوية.
ويهدف البرنامج إلى المساهمة في تعزيز جاذبية القطاع الصناعي السعودي للاستثمار المحلي والأجنبي، وتحويل المملكة لوجهة صناعية رائدة على مستوى العالم، وتعزيز مكاسب المملكة التجارية في الأسواق الدولية، بالإضافة إلى تمكين النفاذ إلى الأسواق المستهدفة للصادرات غير النفطية والحد من العوائق التي تواجهها.
إيجابية المنتج السعودي
وجاء البرنامج، لدعم المنتج الوطني وتعزيز الثقة به، وتفعيل دوره في تنمية الناتج المحلي غير النفطي؛ ورسم صورة ذهنية إيجابية للمنتج السعودي لدى المستهلكين، والاعتزاز به، حيث يتضمن أيضًا إنشاء المكاتب الدولية للصادرات السعودية، والترويج الإلكتروني للمصدرين، وتوفير تقارير دراسة الأسواق المستهدفة، كما يقدم للشركات الأعضاء في البرنامج فرصًا لترويج منتجاتهم وخدماتهم، من خلال استخدام علامة “صُنع في السعودية”، وهو ما ساهم في نجاح التصدير لمنتجات بعض شركات الدول الأخرى في المنطقة، وزيادة رقعة وصولها للأسواق المحيطة بها والدولية.
وقد كشفت هيئة تنمية الصادرات السعودية، مؤخرًا بحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام بأن عدد الشركات المنضمة إلى برنامج وصل إلى أكثر من 900 شركة بمنتجات مسجلة تجاوزت ألفي منتج حتى الآن، وذلك منذ إطلاق البرنامج في مارس 2019م، وأوضحت الهيئة، أن هناك نحو 16 قطاعًا مختلفًا تشكل أولوية للبرنامج في المرحلة الحالية ألا وهي الكيماويات والبوليمرات، ومواد البناء، والإلكترونيات، والتعبئة والتغليف وغيرها، وأضافت بأنه سوف يتم إضافة العديد من القطاعات الأُخرى قريبًا.
خدمة المناقصات الدولية
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تدشين العديد من الخدمات في إطار دعم الصادرات الوطنية، جاء على رأسها خدمة المناقصات الدولية لإتاحة الفرص أمام الشركات الوطنية للتوسع في الأسواق الدولية، من خلال تقديم الدعم الكامل لها من أجل اقتناصها، وذلك من خلال تحديد المناقصات العالمية، في خطوة تهدف إلى فتح فرص جديدة أمام الشركات الوطنية ورفع تنافسيتها، من خلال إتاحة الفرصة لهم لتصدير الخدمات والمنتجات عبر المناقصات الدولية في نحو ثمانية قطاعات مستهدفة، و24 قطاعًا فرعيًا كمرحلة أولى، أهمها الإنشاءات، وتوريد الصناعات، ومشاريع البنى التحتية في الدول، وهو ما أشار إليه أمين عام هيئة تنمية الصادرات، فيصل البداح، في تصريح صحفي بأن خدمة المناقصات تُعد خطوة مهمة تدعم المصدرين وترفع تنافسيتهم، وتزيد من نسبة صادرات خدمات المملكة إلى جانب صادرات المنتجات وإعادة التصدير، وأن هناك خطوات جار العمل عليها لتحديد أكثر من 120 فرصة من المناقصات الدولية في عددٍ من الدول المستهدفة.
ويبدو أن المملكة بخدمة المناقصات الدولية هذه، تسعى إلى أن يكون لها موطئ قدم في المنافسات العالمية، بتقديمها منتجات وخدمات تنافسية في العديد من القطاعات، فهي تقدم الدعم الكامل في عملية الربط المباشر بالمناقصات الدولية والفرص المتوافقة مع أنشطة الشركات الوطنية، حيث تتضمن الخدمة تحديد المشاريع والفرص التي تتوافق مع أنشطة المصدرين، بعد ذلك مطابقة الأعمال وربط المشاريع بمصدرين محددين للاستفادة من المناقصة الدولية، والتواصل معهم للتأكد من سلامة الإجراءات والخطوات.
الملتقى الأول للحسابات الاستراتيجية
وفي أكتوبر 2021م أطلقت هيئة تنمية الصادرات السعودية، الملتقى الأول للحسابات الاستراتيجية، بحضور 42 حسابًا استراتيجيًا من الشركات الوطنية الرائدة ذات القدرة التصديرية العالية من عملاء الهيئة، إضافة إلى عدد من ممثلي الجهات الحكومية، مثل وزارة البيئة والمياه والزراعة، والهيئة العامة للغذاء والدواء ومركز حلال، وشركة سابك، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة.
وجاء الملتقى انطلاقًا من سعي هيئة تنمية الصادرات السعودية إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية الرئيسية لتشجيع منظومة التصدير السعودية عبر البرامج والمبادرات التي تتبناها، ونشر المعرفة التصديرية وتبادل الخبرات، بما يسهم في خلق حالة من التكامل في تقديم الخدمات وتطويرها، والاستفادة من جميع التجارب والممارسات، التي تقدمها الهيئة لمواكبة رؤية المملكة 2030م وتطلعاتها بتنويع القاعدة الاقتصادية.
طموحات مستمرة
لا شك أن الوصول إلى تلك المعدلات القياسية في حجم الصادرات السعودية، هو ثمرة كل تلك الجهود والمبادرات والبرامج المتنوعة، والتي أدت بالفعل للولوج إلى العديد من الأسواق الجديدة وزيادة الصادرات في الأسواق التقليدية، ساعد على ذلك الدعم المقدم لتشجيع المنتجات السعودية في الأسواق الدولية، ورفع جودتها التنافسية.
وما زال طموح الوصول إلى معدلات نمو أكبر للصادرات قائمًا يظهر من خلال العمل المستمر على تذليل التحديات وتحسين كفاءة بيئة التصدير، وتطوير القدرات التصديرية، وترويج المصدرين ومنتجاتهم وخدماتهم، وتشجيع المنتجات والخدمات السعودية والرفع من تنافسيتها لتصل إلى الأسواق الدولية، وتدشين العديد من الاتفاقيات والشراكات الاستراتيجية والاستعانة بدراسة التجارب الدولية، والتي حققت نجاحات يمكن أن تكون دليلاً ومنهجًا للجهات المعنية، من أجــل تحقيــق نجاحـــات أخرى في هــذا المضمار.