تسعى الشركات الكبرى عادة إلى إيجاد وحدة خاصة تُعنى بدراسات العملاء وبحوث المستهلكين، ومن مهامها دراسة الصورة الذِهنية للشركة لدى عُملائها وقِياس رضاهم عن المنتجات والخدمات واتجاهات وسلوكيات الشراء للعملاء المرتقَبين وبحوث تجزئة وتقسيم الأسواق وانطباعات العملاء الذين توقفوا عن التعامل مع الشركة ومنتجاتها ومدى استجابة العملاء للحملات الترويجية التسويقية ومتابعة استجابة الجمهور والسوق المستهدَف للحملة، من أجل تحديد أفضل الوسائل الترويجية التي تتحقق من خلالها أعلى استجابة من المستهلِك، والتَعرف على العقبات التي قد تواجه الحملات التسويقية، وتحديد وسائل تجاوزها، وقياس مدى كفاءة التسويق للمنتَج أو الخدمة، ونسبة ما حققتهُ الحملة من المخطَّط له.
كما تسعى إلى معرفة سلوك المستهلك وهو مجموعة الأنشطة والتصرفات التي يقدم عليها المستهلكون أثناء بحثهم عن السلع والخدمات التي يحتاجون إليها بهدف إشباع حاجاتهم لها ورغباتهم فيها، وأثناء تقييمها لها والحصول عليها واستعمالها والتخلص منها، وما يصاحب ذلك من عمليات اتخاذ القرار.
وتنبع أهمية دراسة سلوك المستهلك لرجال الأعمال ومديري الشركات كما تذكر ذلك كتب التسويق وسلوك المستهلك في عدة نواحٍ من أهمها اكتشاف الفرص التسويقية المواتية. وتجزئة السوق وتقييمه واختيار القطاعات المريحة بهدف استهدافها. والاستجابة السريعة للتغيرات في حاجات وخصائص المستهلكين. وتطوير وتحسين الخدمات التي تقدِّمها الشركة لعملائها. والتأثير في الاتجاهات النفسية للمستهلكين. وتصميم الموقع التنافسي المناسب لمنتجات الشركة. وتفهم أدوار افراد الأسرة في عملية اتخاذ القرار. وتفهم أثر العلاقات الشخصية على القرار الشرائي. والتعرف على العوامل الاجتماعية المؤثرة في القرار الشرائي للفرد. ومراعاة التقاليد والقيم السائدة في المجتمع عند إعداد الاستراتيجية التسويقية.
لكن يلحظ مؤخراً أن هناك عدة ممارسات سلبية من قِبل بعض الشركات شوهت ما يسمى (علم سلوك المستهلك) والذي من المفترض أنها تُسخَّر لمساعدة المستهلكين في تفهُّم قراراتهم الشرائية والاستهلاكية وفي التعرف على الدوافع والأسباب الكامنة خلف هذه القرارات، وعلى تفهم العوامل التي تؤثر على تفكيرهم في اختيارهم لسلعة معينة وعلامة تجارية دون أخرى، وبذلك يستطيع المستهلكون تحسين قراراتهم الشرائية وتعديل سلوكهم الاستهلاكي والشرائي، وتستطيع الشركات معرفة متطلباتهم وتحقيقها بما فيه منفعة الطرفين. إلا أنه يتضح أن بعض الشركات ومن خلال بحوثها التسويقية استغلت علم سلوك المستهلك لخداع المستهلك وربما تضليله من خلال المبالغة في وصف السلعة على غير حقيقتها إعلانياً، وهذا مرده إلى المنافسة القوية التي تشهدها الأسواق من أجل الحصول على أكبر قدر من كعكة المستهلك، مستثمرين في ذلك كل أو أهم وسائل الإعلام أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد يتفق معي عدد من أساتذة التسويق أن استثمار علم سلوك المستهلك أو تنفيذ أبحاث حول المستهلك واستخدامه في التسويق هو حق مشروع للشركات، لكن في السنوات الأخيرة اتضح أن «علم سلوك المستهلك» جيّر لأهداف ربحية بحتة بالدرجة الأولى بعيداً عن أي فائدة تذكر للمستهلك نفسه، فالمتخصصون في بحوث التسويق يهدفون دائماً وأبداً إلى دفع المستهلك إلى الشراء والشراء فقط، وإصابته بحمى الشراء سواء بالتخفيضات أو المسابقات أو بالعروض الموسمية أو حتى بالإغراء الوهمي أو من خلال عرض المنتجات «الغذائية تحديداً» في مواقع محددة ومدروسة في الأسواق الاستهلاكية من أجل هذا (المسكين) الذي لم ولن يُخدم في تعديل سلوكه.